للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا كان اكتمال تلك الآلة في حق آحاد المتأخرين كالأمر المتعذر؛ فإنه يكفي على الصحيح من أقوال الأصوليين أن يكون هذا الناظر مجتهدًا على الأقل في المسألة التي ينظر فيها وما يتصل بها، وإن كان جاهلًا بما عداها من المسائل؛ ذلك أن وجود المجتهد المطلق أمر عزيز (١).

والاجتهاد يقبل التجزؤ، فلا مانع أن يتحقق وجود مجتهد في باب، ويكون مقلدًا في غيره.

قال ابن القيم -رحمه الله-: "الاجتهاد حالة تقبل التجزؤ والانقسام، فيكون الرجل مجتهدًا في نوع من العلم مقلدًا في غيره، أو في باب من أبوابه، كما لو استفرغ وسعه في نوع العلم بالفرائض وأدلتها واستنباطها من الكتاب والسنة دون غيرها من العلوم، أو في باب الجهاد أو الحج أو غير ذلك، فهذا ليس له الفتوى فيما لم يجتهد فيه، ولا تكون معرفته بما اجتهد فيه مسوغة له الإفتاء بما لا يعلم في غيره" (٢).

ومن نافلة القول التأكيد على أهمية الاجتهاد الجماعي وأثره العظيم في هذا الصدد، ونتيجته المحمودة أيضًا على أعضاء تلك المجامع الفقهية والمؤتمرات العلمية، وقيمته في تسديد تلك الاجتهادات والفتاوي الصادرة عن مثل مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر بمصر، أو المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة، أو مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي بجدة، أو هيئات كبار العلماء ودور الإفتاء في مختلف الدول الإسلامية.

كما أن الهيئات التي تشكلت حديثًا للنظر في مسائل الأقليات بشكل خاص تمثل نوعًا من الاجتهاد الجماعي، مثل: المجلس الأوروبي للإفتاء، أو مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا، وغيرهما.


(١) روضة الناظر، لابن قدامة، (ص ٣٥٣ - ٣٥٤)، مجموع الفتاوي، لابن تيمية، (٢٠/ ٢١٢)، الرد على من أخلد إلى الأرض، لجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، تحقيق: خليل عيسى، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط ١، (١٤١٣ هـ)، (ص ١٥٢).
(٢) إعلام الموقعين، لابن القيم، (٤/ ٢١٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>