للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان القياس معه" (١).

وقد تقرر أن للمجتهد غير المستقل أن ينتقل عن مذهبه إلى غيره إذا لحق الناس بسببه عنت وشدة، أو كان مأخذه ضعيفًا ودليله غير ناهض.

ولقد خالف أبا حنيفة -رحمه الله- صاحباه وتلاميذُه النجباء، ورأينا هذا في بقية تلاميذ الأئمة الثلاثة.

وفي حق السائل قال النووي -رحمه الله-: "الذي يقتضيه الدليل أنه لا يلزم المقلد التمذهب، بل يستفتي من شاء أو من اتفق" (٢)، وقال ابن حجر -رحمه الله-: "وظاهره جواز الانتقال وجواز تقليد إمام في مسألة، وآخر في أخرى وهكذا من غير التزام مذهب معين، أفتى به العز ابن عبد السلام" (٣).

وقد مال التقنين في بلاد كثيرة إلى الأخذ بمذاهب غير الأئمة الأربعة، كاعتبار أغلب الدول بترجيح اعتبار الطلاق الثلاث دفعة في مجلس واحد طلقة واحدة.

إننا قد نرى بعض المذاهب تشدد في مسألة، على حين يخفف فيها مذهب آخر أو مذاهب أخرى، وبعضها يضيق في قضية غاية التضييق، وغيره يوسع فيها غاية التوسعة، وهذا يعطينا فرصة للموازنة والترجيح، واختيار ما هو أهدى سبيلًا، وأرجح دليلًا، ومن هذه الأدلة المعتبرة: أن يكون الرأي أو المذهب أدنى إلى تحقيق مقاصد الشرع، ومصالح الخلق، فما قامت الشريعة إلا لتحقيق مصالح العباد في المعاش والمعاد (٤).

ولذا لا يصح الإنكار على المجلس الأوروبي للإفتاء في فتياه بجواز ميراث المسلم


(١) مجموع الفتاوي، لابن تيمية، (٢٠/ ٥٨٢ - ٥٨٣).
(٢) روضة الطالبين، للنووي، (١١/ ١١٧).
(٣) الفتاوي الفقهية، لابن حجر الهيتمي، (٤/ ٣٠٥) باختصار.
(٤) في فقه الأقليات، د. يوسف القرضاوي، (ص ٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>