للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يثبت عنده ما يخصه أو ينسخه" (١)، وأيضًا فإن المنسوخ من السنة في غاية القلَّة حتى عدَّه بعضهم واحدًا وعشرين حديثًا، وإذا كان العامي يسوغ له الأخذ بقول المفتي؛ بل يجب عليه مع احتمال خطأ المفتي، كيف لا يسوغ له الأخذ بالحديث إذا فهم معناه وإن احتمل النسخ؟ ولو كانت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يسوغ العمل بها بعد صحتها حتى يعمل بها فلان وفلان لكان قولهم شرطًا في العلم بها، وهذا من أبطل الباطل، وقد أقام الله تعالى الحجة برسوله - صلى الله عليه وسلم - دون آحاد الأمة، ولا يعرض احتمال الخطأ لمن عمل بالحديث وأفتى به بعد فهمه إلا وأضعاف أضعافه حاصل لمن أفتى بتقليد من لا يُعلم خطؤه من صوابه، ويجري عليه التناقض والإخلال، ويقول القول ويرجع عنه، ويُحكى عنه في المسألة عدة أقوال، وهذا كله فيما له نوع أهلية أما إذا لم يكن له أهلية ففرضه ما قال الله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: ٤٣].

وإذا جاز اعتماد المستفتي على ما يكتبه له المفتي من كلامه أو كلام شيخه وإن علا، فلأن يجوز اعتماد الرجل على ما كتبه الثقات من كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أولى بالجواز، ولو قدر أنه لم يفهم الحديث فكما لو لم يفهم فتوى المفتي يسأل من يعرفها فكذلك الحديث". انتهى كلام السندي ملخصًا، وقد أطال من هذا النفس العالي -رحمه الله- ورضي عنه" (٢).

ولا شك أن الغفلة عن النصوص والجهل بها عند التصدي للإفتاء لا سيما في النوازل من أخطر الآفات التي تعرض للفتيا، حيث قد يقع اجتهاد في غير محلِّه بسبب الجهل بالنصوص، وقد نصت القاعدة الفقهية على أنه: لا اجتهاد مع النص، ولا شك أن خفاء نصوص السنة هو الأكثر والأشهر.


(١) التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، تحقيق: مجموعة من الباحثين، مؤسسة قرطبة، طبعت أجزاؤه تباعًا على سنوات متعددة، (١/ ٣٠٤).
(٢) الفتوى في الإسلام، لمحمد جمال الدين القاسمي، تحقيق: محمد عبد الحكيم القاضي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط ١، ١٤٠٦ هـ - ١٩٨٦ م، (ص ١١١ - ١١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>