للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد لا يأتي الخطأ من عدم استحضار النص، ولكن من سوء تأويله، وفهمه على غير وجهه، اتباعًا للشهوة، أو إرضاءً لنزوة، أو حبًّا لدنيا، أو تقليدًا أعمى للآخرين.

وسوء الفهم أو سوء التأويل آفة قديمة منيت بها النصوص الدينية، والكتب المقدسة، وهو أحد الوجهين فيما وَصَم به القرآن أهل الكتاب من تحريف الكلم عن مواضعه.

فليس المقصود بالتحريف تبديل لفظ مكان لفظ فحسب، بل يشمل تفسير اللفظ بغير المراد منه، فهذا هو التحريف المعنوي، والأول هو التحريف اللفظي.

ومن أمثلة سوء التأويل ما قاله بعضهم حول الآيات التي وردت في سورة المائدة في شأن من لم يحكم بما أنزل الله، وهو قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: ٤٤]، {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة: ٤٥]، {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [المائدة: ٤٧].

قال هذا القائل: إن هذه الآيات لم تنزل فينا -معشر المسلمين- وإنما نزلت في أهل الكتاب خاصة.

ومقتضي هذا -في زعمه- أن من لم يحكم بما أنزل الله من اليهود والنصارى فهو كافر أو ظالم أو فاسق، وأما من لم يحكم بما أنزل الله من المسلمين فليس كافرًا ولا ظالمًا ولا فاسقًا! هذا والله مما لا ينقضي منه العجب! (١)

وإذا كان الأصل إجراء النصوص الشرعية على ظواهرها، فإن ذلك لا يعني الوقوف عند هذه الظواهر دون فهم ما يتضمنه النص من معانٍ وما يشتمل عليه من أحكام، ولا يعني أيضًا عدم الأخذ بالقياس واستخراج العلل (٢).


(١) الفتوى بين الانضباط والتسيب، د. يوسف القرضاوي، دار الصحوة، القاهرة، ط ١، ١٤٠٨ هـ - ١٩٨٨ م، (ص ٦٩).
(٢) الضوابط الشرعية للإفتاء، د. عبد الحي عزب، (ص ٦٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>