للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والوقوف عند الجزئيات يؤدي -أحيانًا- إلى التشديد على الناس في أمور قد سهل الشرع فيها، والتضييق على الناس فيما له مخرج شرعي صحيح، وكذلك الوقوف في وجه مستحدثات العصر بالممانعة والمعارضة دون مبرر شرعي.

يقول سفيان الثوري: "إنما العلم عندنا الرخصة من ثقة، فأما التشديد فيحسنه كل أحد" (١).

وبالجملة فإنه يتعين عند التعامل مع الأدلة النصية أن يكون على منهج الطريقة السلفية الأثرية في تلقي النصوص والاستدلال بها، وأن تتجنب الطريقة المخالفة والزائغة عن الحق، وعن هذا عبر الشاطبي -رحمه الله- فقال: "إن أخذ الأدلة على الأحكام يقع في الوجود على وجهين: أحدهما: (وهي طريقة السلف) أن يؤخذ الدليل مأخذ الافتقار، واقتباس ما تضمنه من الحكم، ليعرض عليه النازلة المفروضة، لتقع في الوجود على وفاق ما أعطى الدليل من الحكم: أما قبل وقوعها فبأن توقع على وفقه، وأما بعد وقوعها فليتلافى الأمر، ويستدرك الخطأ الواقع فيها، بحيث يغلب على الظن أو يقطع بأن ذلك قصد الشارع، وهذا الوجه هو شأن اقتباس السلف الصالح الأحكام من الأدلة.

والثاني: (وهي طريقة الزائغين) أن يؤخذ الدليل مأخذ الاستظهار على صحة غرضه في النازلة العارضة، بأن يظهر بادي الرأي موافقة ذلك الغرض للدليل، من غير تحرٍّ لقصد الشارع، بل المقصود منه تنزيل الدليل على وفق غرضه، وهذا الوجه هو شأن اقتباس الزائغين الأحكام من الأدلة" (٢).

ثانيًا: العلم بالحال الواقعي:

من المقرر عند أهل العلم أن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، فإن الأحكام الصحيحة لا تكون في الغالب إلا بعد دراسة ممحصة للمسألة المعروضة لدى المفتي،


(١) جامع بيان العلم وفضله، لابن عبد البر، (١/ ٧٨٤).
(٢) الموافقات، للشاطبي، (٣/ ٧٧ - ٧٨)، بتصرف يسير.

<<  <  ج: ص:  >  >>