للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثاني: ما ينقدح في نفس المجتهد ولا يقدر على التعبير عنه.

"وبطلان هذين التعريفين ظاهر؛ لأن المجتهد ليس له الاستناد إلى مجرد عقله في تحسين شيء، وما لم يعبر عنه لا يمكن الحكم له بالقبول حتى يظهر ويعرض على الشرع" (١).

وإذا كان العقل لا يستقل بالتحسين، وما ينقدح في النفس لا يكون مقياسًا؛ فإنه من المستبعد أن يقصد العلماء من الاستحسان ما يستحسنه المجتهد برأيه، أو أنه دليل ينقدح في نفس المجتهد تعسُر عبارته عنه (٢).

وعليه فإن هذين الاتجاهين في فهم الاستحسان وتعريفه مرفوضان.

الثالث: هو العدول بحكم المسألة عن نظائرها لدليل خاص يقتضي ذلك.

وهذا هو التعريف الصحيح الذي قصده القائلون بالاستحسان.

ومن التعريفات الصادرة عن هذا الفهم الصحيح:

١ - قول الكرخي الحنفي (٣): "الاستحسان هو أن يعدل الإنسان عن أن يحكم في المسألة بمثل ما حكم به في نظائرها إلى خلافه؛ لوجه يقتضي العدول عن الأول" (٤).

٢ - وقال عنه ابن رشد: "الاستحسان الذي يكثر استعماله حتى يكون أعم من القياس، هو أن يكون طرد القياس يؤدي إلى غلو في الحكم ومبالغة فيه، فيعدل عنه في بعض المواضع لمعنى يؤثر في الحكم فيختص به ذلك الموضع" (٥).


(١) مذكرة أصول الفقه على روضة الناظر، لمحمد الأمين بن محمد المختار الجكني الشنقيطي، دار عالم الفوائد، مكة المكرمة، ط ١، ١٤٢٦ هـ، (ص ٢٥٩).
(٢) الاعتصام، للشاطبي، (٢/ ١٣٨).
(٣) أبو الحسن، عبيد الله بن الحسين بن دلال، البغدادي الكرخي الفقيه، مفتي العراق، شيخ الحنفية، انتهت إليه رئاسة المذهب، وكان من العلماء العباد، ولد سنة ٢٦٠ هـ، وتوفى سنة ٣٤٠ هـ. سير أعلام النبلاء، للذهبي، (١٥/ ٤٢٦)، والجواهر المضية، لمحيي الدين القرشي، (٢/ ٤٩٣).
(٤) كشف الأسرار، لعبد العزيز البخاري، (٤/ ٤).
(٥) البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة، لأبي الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبي، تحقيق: د. محمد حجي وآخرين، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط ٢، ١٤٠٨ هـ - ١٩٨٨ م، (٤/ ١٥٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>