للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد قال طائفة بأنه إذا تكافأت الأقوال، ولم يترجح منها قول فإنه يترجح أيسرها؛ لأن الدين يسر، ولأنه - صلى الله عليه وسلم - بُعث بالحنيفية السمحة (١)، ولأن اليسر هو الغالب في الشرع وأحكامه، وعلى هذا دلت أدلة كثيرة.

ومن الأصوليين من خيَّر المكلف في أن يأخذ بأيها شاء، وهو باب من التيسير أيضًا (٢).

وحكى ابن القيم في هذه المسألة سبعة أقوال حيث قال -رحمه الله-: "فإن اختلف عليه مفتيان فأكثر، فهل يأخذ بأغلظ الأقوال، أو بأخفها، أو يتخير، أو يأخذ بقول الأعلم، أو الأورع، أو يعدل إلى مفتٍ آخرَ فينظر من يوافق من الأولين فيعمل بالفتوى التي يوقع عليها، أو يجب عليه أن يتحرى ويبحث عن الراجح بحسبه؟ فيه سبعة مذاهب:

أرجحها: السابع، فيعمل كما يعمل عند اختلاف الطريقين، أو الطبيبين، أو المشيرين، كما تقدم، وبالله التوفيق" (٣).

وقال الغزالي -رحمه الله-: "إذا اختلف عليه مفتيان في حكم: فإن تساويا راجعهما مرة أخرى، وقال: تناقض فتواكما وتساويتما عندي، فما الذي يلزمني؟

فإن خيراه تخير، وإن اتفقا على الأمر بالاحتياط أو الميل إلى جانب معين فعل، وإن أصرَّا على الخلاف لم يَبْقَ إلا التخيير؛ فإنه لا سبيل إلى تعطيل الحكم، وليس أحدهما أولى من الآخر، والأئمة كالنجوم فبأيهم اقتدى اهتدى.

أما إذا كان أحدهما أفضل وأعلم في اعتقاده اختار القاضي أنه يتخير أيضًا؛ لأن المفضول أيضًا من أهل الاجتهاد، ولو انفرد فكذلك إذا كان معه غيره فزيادة الفضل لا تؤثر.


(١) سبق تخريجه.
(٢) المحصول، للرازي، (٦/ ٢١٤ - ٢١٧)، إعلام الموقعين، لابن القيم، (٤/ ٢٦٤)، جمع الجوامع، لابن السبكي، (٢/ ٣٥٢)، أدب الفتوى، لابن الصلاح، (ص ١٤٦ - ١٤٧).
(٣) إعلام الموقعين، لابن القيم، (٤/ ٢٦٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>