للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أزلفها. . . " (١)، أي: قدمها.

وعن حكيم بن حزام -رضي الله عنه- قال: يا رسول الله أرأيت أمورًا كنت أتحنَّثُ بها في الجاهلية من صلة وعتاقة وصدقة هل لي فيها أجر؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أسلمتَ على ما سلف لك من خير" (٢).

فهذان حديثان صحيحان لا يمنعهما عقل، ولم يَرِد الشرع بخلافهما، فوجب العمل بهما، وقد نقل الإجماع على ما ذكرته من إثبات ثوابه إذا أسلم.

وأما قول أصحابنا وغيرهم: لا تصح من كافر عبادة، ولو أسلم لم يعتدَّ بها، فمرادهم: لا يعتدُّ بها في أحكام الدنيا، وليس فيه تعرض لثواب الآخرة.

فإن أَطلق مطلِقٌ أنه لا يثاب عليها في الآخرة، وصرح بذلك: فهو مجازف مغالط مخالف للسنة الصحيحة التي لا معارض لها" (٣).

وحكم هذه القاعدة يتناول المرتد أيضًا عند أبي حنيفة والمالكية؛ لأن الأدلة لم تُفَرِّقْ في دخول الإسلام بين ما إذا كان بعد كفر أصلي، أو طارئ بالارتداد، بينما ذهب الشافعي إلى أنه يلزم المرتدَّ كلُّ حقٍّ لله وللآدمي (٤).

ونطاق هذه القاعدة يتعلق بحقوق الله تعالى بالأصالة، فلا إثم عليه، ولا تدارك بالقضاء أو الأداء لما فات (٥).

قال ابن العربي: "قال علماؤنا: هذه لطيفة من الله سبحانه منَّ بها على الخليقة؛ وذلك


(١) أخرجه: البخاري تعليقًا، كتاب الإيمان، باب: حسن إسلام المرء، (٤١)، والنسائي، كتاب الإيمان وشرائعه، باب: حسن إسلام المرء، (٤٩٩٨)، من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-. وصححه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (٢٤٧).
(٢) أخرجه: البخاري، كتاب البيوع، باب: شراء المملوك من الحربي وهبته وعتقه، (٢٢٢٠)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب: بيان حكم عمل الكافر إذا أسلم بعده، (١٢٣).
(٣) المجموع، للنووي، (٣/ ٤ - ٥)، بتصرف يسير، وانظر أيضًا: الأشباه والنظائر، للسيوطي، (ص ٢٥٤).
(٤) أحكام القرآن، لابن العربي، (٢/ ٣٩٩)، قاعدة المشقة تجلب التيسير، د. يعقوب الباحسين، (ص ٥٥١).
(٥) الأشباه والنظائر، للسيوطي، (ص ٢٥٥)، المنثور في القواعد، للزركشي، (١/ ١٦١).

<<  <  ج: ص:  >  >>