للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجه الدلالة:

الأحاديث مصرحة بقبول توبة التائب والتجاوز عن ذنب المستغفر، وأن من تاب غفرت له سيئاته، وعفي له عن خطيئاته، والله تعالى حليم تواب، رحيم ودود، يقبل توبة عبده ما لم يغرغر (١).

وهذا كله يتعلق بذنوب العباد فيما بينهم، وبين ربهم تبارك وتعالى، وأما فيما يتعلق بذنوب العباد فيما بينهم فما لم يحصل فيه التغافر والتسامح في الدنيا كان فيه القصاص في الآخرة ولا بد، وذلك مقتضى أن ربنا تعالى هو العدل الحكيم.

وما عدا ذنوب العباد فيما بينهم فإنه مرجوُّ العفو والمغفرة بالتوبة والإنابة باستثناء الموت على الشرك، قال تعالى: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: ٥٣].

قال ابن تيمية -رحمه الله-: "ليس في شريعتنا ذنب إذا فعله الإنسان لم يكن له مخرج منه بالتوبة إلا بضرر عظيم، فإن الله لم يحمل علينا إصرًا كما حمله على الذين من قبلنا" (٢).

وقال ابن القيم -رحمه الله-: "فليس في شرع الله ولا قدره عقوبة تائب البتة" (٣).

ولا شك أن من تاب من الشرك الأكبر والكفر الأكبر قبل موته فإن الله يتوب عليه، ولا عقوبة عليه بالإجماع، كما شهدت به القاعدة السابقة.

قال تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا


(١) أخرجه: الترمذي، كتاب الدعوات عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، باب: في فضل التوبة والاستغفار وما ذُكر من رحمة الله لعباده، (٣٥٣٧)، وابن ماجه، كتاب الزهد، باب: ذكر التوبة، (٤٢٥٣)، من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنَّ الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر". قال الترمذي: "حديث حسن غريب"، وصححه ابن حبان (٢/ ٣٩٤)، والحاكم (٤/ ٢٥٦). ورُوي أيضًا من حديثَي: عبادة بن الصامت، وأبي أيوب بشير بن كعب -رضي الله عنهما-.
(٢) القواعد الفقهية النورانية، لتقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن تيمية، تحقيق: محمد حامد الفقي، دار المعرفة، بيروت، ١٣٩٩ هـ، (ص ٢٦٧).
(٣) إعلام الموقعين، لابن القيم، (٢/ ٩٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>