للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حرج، إلا أن الحياة بفقد التحسينيات لا تبدو مستقيمة لدى أصحاب الفطر المستقيمة والعقول السلمية (١).

وقد عبر عنها الجويني -رحمه الله- بقوله: "ما لا يتعلق بضرورة حاقة، ولا حاجة عامة، ولكنه يلوح فيه غرض في جلب مكرمة، أو نفي نقيض لها" وعبر مرة أخرى، فقال: "ما لاح وصح الندب إليه تصريحًا، كالتنظف" (٢).

[الضوابط الفارقة بين الضروريات والحاجيات والتحسينيات]

تتبدى بعض الضوابط التي تفرق بين هذه المقاصد، فمن جهة المعنى اللغوي لكلٍّ يتضح أن الضروري ما لا بد منه، والحاجة فيه ملجئة، وهو أصل للحاجي وما بعده، وأما الحاجي والتحسيني فإن الحاجة فيهما غير ملجئة أصلًا، ويَنزِل التحسيني رتبة في الاحتياج إليه حيث لا تترتب مشقة بفواته، وإنما تفوت الزينة والجمال.

وأما من جهة المعنى الاصطلاحي فلكلٍّ أثرُهُ الدنيوي فإن الفساد المترتب نتيجة فقد الضروري في الدنيا هو إتلاف الأصل، أو زوال منفعته كلًّا أو جزءًا حالًا أو مآلًا.

وأما الحاجي ففقده لا يُرتب شيئًا مما سبق من الفساد، سواء أكانت عامة أم خاصة، وإنما تحصل مشقة وشدة، وأما التحسيني ففقده لا يرتب شيئًا مما سبق وإنما فقدان اللذات والمستحسنات.

وأما من حيث الأثر الأخروي:

ففقد الضروري يترتب عليه التعرض لعذاب الله، ودخول النار إما خلودًا بسبب الكفر، أو دخولًا مؤقتًا بسبب الكبائر من عصاة الموحدين.

وأما الحاجي فيترتب على فقده الخوف من دخول النار، ولو دخولًا مؤقتًا، وحصول المشاق


(١) القواعد الأصولية عند الإمام الشاطبي، د. الجيلالي، (ص ٢٦٤).
(٢) البرهان، للجويني، (٢/ ٩٢٤ - ٩٢٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>