للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جمهور أهل العلم (١) خلافًا للحنفية.

وهكذا كل فعل محرم لا تستباح به الرخص؛ وفاقًا للجمهور وخلافًا للحنفية (٢).

قال ابن العربي: "ما أظن أحدًا يقول بالإباحة، فإن قاله فهو مخطئ قطعًا" (٣).

[الضابط الثاني: تحقق فقد الوسائل المشروعة في دفع الضرورة]

والمراد أن يتعين ارتكاب النهي الشرعي، أو مخالفة الأمر الشرعي طريقًا لدفع الضرورة ورفع الاضطرار، ومتى أمكن المكلف أن يزيل الضرر بوسيلة مباحة امتنع عليه أن يرتكب المحظور.

فلو أن إنسانًا اضطر إلى المال لم يكن له أن يلجأ إلى من يقرضه بالربا من بنك أو غيره حتى يعدم كل سبيل مشروعة للقرض الحسن، أو الكسب الطيب.

ولو وَجد الجائع طعامًا لدى آخر لم يجز له أن يأكل الميتة، فإن امتنع صاحب الطعام من بيعه كان له أن يأخذه؛ لسد جوعته جبرًا على صاحبه بقيمته (٤).

وهذا وغيره من الأمثلة يدل على فقهها قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: ١٦]، وقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث الرجل الذي عنده ناقة لغيره، فقالت امرأته: قم


(١) المدونة، لمالك بن أنس، تحقيق: زكريا عميرات، دار الكتب العلمية، بيروت، (٣/ ٤٣٦)، المغني، لابن قدامة، (٨/ ١٣٣)، أحكام أهل الذمة، لابن القيم، (١/ ٥٧٠ - ٥٧٣)، كشاف القناع، للبهوتي، (٣/ ٥٥٩).
(٢) جاء في تيسير التحرير حكاية اختلاف الفقهاء في المسألة بين الحنفية والجمهور: ولا يمنع سفر المعصية من قطع الطريق أو غيره الرخصةَ عند أصحابنا، وقال الأئمة الثلاثة: يمنع؛ لأن الرخصة نعمة فلا تنال بالمعصية، ولقوله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ}، أناط رخصة أكل الميتة بالاضطرار بشرط كونه غير باغ، أي: خارج على الإمام، ولا عادٍ، أي: ظالم للمسلمين بقطع الطريق، فيبقى في غير هذه الحالة على أصل الحرمة: فكذا سائر الرخص بالقياس، أو بدلالة النص، أو بالإجماع على عدم الفصل، ولأصحابنا إطلاق نصوص الرخص بقوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}، انظر: تيسير التحرير، لأمير بادشاه، (٢/ ٤٤٠).
(٣) أحكام القرآن، لابن العربي (١/ ٨٥) بتصرف يسير.
(٤) نظرية الضرورة الشرعية، د. وهبة الزحيلي، (ص ٦٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>