للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالحاصل أن هذه القاعدة مقيدة بقيدين:

أولهما: الإباحة المذكورة بمعنى رفع الإثم والحرج، لا بمعنى التخيير بين الفعل والترك.

ثانيهما: الضرورات لا تبيح جميع المحظورات، بل هناك محظورات لا تبيحها الضرورات البتة.

ويمكننا بعد مراعاة هذين القيدين صياغة معنى هذه القاعدة على هذا النحو:

"الضرورات ترفع الإثم والحرج عند ارتكاب المحظورات التي دونها في المفسدة" (١).

ومما يؤكد هذا التقييد من القواعد الفقهية:

"الضرر لا يزال بمثله" (٢).

"يتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام" (٣).

"يُرتكب أخف الضرر لن لدفع أعظمهما" (٤).

ومن القواعد الفقهية المتعلقة بالتدافع بين المصالح والمفاسد وغيرها مما يتصل بهذا الضابط: أن يحفظ المضطر أصول الشريعة وثوابتها، فلا تلجئه ضرورة مهما بلغت لأن يكفر بالله -مثلًا- ولا تحمله نازلة لأن يطمئن قلبه بالكفر -عياذًا بالله-؛ وذلك لقوله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النحل: ١٠٦].

فلا يتصور الإكراه على شيء من أعمال القلوب (٥).

قال العز ابن عبد السلام -رحمه الله-: "ولا يتصور الإكراه بالجنان، ولا على جحد ما يجب


(١) حقيقة الضرورة الشرعية، د. محمد الجيزاني، (ص ١١٢).
(٢) الأشباه والنظائر، لابن السبكي، (١/ ٥٣)، الأشباه والنظائر، للسيوطي، (ص ٨٦).
(٣) الأشباه والنظائر، لابن نجيم، (ص ٩٦)، شرح القواعد الفقهية، للزرقا، (ص ١٩٧).
(٤) الأشباه والنظائر، للسيوطي، (ص ٨٧)، الأشباه والنظائر، لابن نجيم، (ص ٩٦).
(٥) الأشباه والنظائر، للسيوطي، (ص ٢٠٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>