للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله تعالى: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} [النساء: ١٠١].

على القول بأن المراد القصر من عدد الركعات، ولم يقل: فلكم أن تقصروا، أو: فإن شئتم فاقصروا.

وقال تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النحل: ١٠٦]، فالتقدير: أن من أُكْرِهَ فلا غضبَ عليه، ولا عذاب يلحقه إن تكلم بكلمة الكفر، وقلبه مطمئن بالإيمان، ولم يقل: فله أن ينطق، أو إن شاء فلينطق.

وهذا بخلاف الإباحة على معنى التخيير، كما في قوله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: ٢٢٣]، يريد كيف شئتم، مقبلة ومدبرة، وعلى جنب، فهذا تخيير واضح (١).

ثانيًا: المعقول:

لا تدخل الإباحة هنا في معنى التخيير، وإنما تُقصد على معنى رفع الحرج.

لأن لفظ التخيير مفهوم من مقصد الشارع إلى تقرير الإذن في طرفي الفعل والترك، وأنهما على سواء في قصده، ورفع الحرج سكوت عنه، فليس فيه معنى التخيير (٢).

والجميع يقولون: من لم يتكلم بكلمة الكفر مع الإكراه مأجور في أعلى الدرجات، والتخيير ينافي ترجيح أحد الطرفين على الآخر، وكذلك غيره من المواضع المذكورة سواه.

[تطبيقات القاعدة في تأصيل فقه الأقليات]

لا يصلح باطِّراد أن تقوم حياة الأقليات، أو أن يَعتمد فقه الأقليات على جملة استثناءات، أو على فقه الظروف الطارئة، وحالات الضرورة وما ينزل منزلتها، وإن كان


(١) القواعد الأصولية عند الإمام الشاطبي، د. الجيلالي، (ص ١٧١).
(٢) الموافقات، للشاطبي، (١/ ١٤٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>