للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وغني عن البيان أنه متى أمكن تحصيل الصالح ودرء المفاسد كان هذا هو المتعين.

وأما إن استوى طرفا المصلحة والمفسدة في الأمر فقد يُتَخير بينهما وقد يُتوقف فيهما.

يقول الطوفي: "وإن اجتمع فيه الأمران: المصلحة والمفسدة، فإن أمكن تحصيل المصلحة ودفع المفسدة تعين، وإن تعذر فُعل الأهم من تحصيلٍ أو دفعٍ إن تفاوتا في الأهمية، وإن تساويا فبالاختيار، أو القرعة إن اتجهت التهمة، وإن تعارض مصلحتان أو مفسدتان أو مصلحة ومفسدة وتَرَجَّحَ كل واحد من الطرفين بوجه دون وجه، اعتبرنا أرجح الوجهين تحصيلًا أو دفعًا، فإن تساويا في ذلك عدنا إلى الاختيار أو القرعة". (١)

وقد أنكر بعض العلماء وجود حالة يستوي فيها طرفا المصلحة والمفسدة، حتى قال ابن القيم -رحمه الله-: "هذا القسم لا وجود له، وإنْ حصرَهُ التقسيم، فإمَّا أن يكون حصوله أولى بالفاعل وهو راجح المصلحة، وإمَّا أن يكون عدمه أولى به وهو راجح المفسدة، وأما فعل يكون حصوله أولى لمصلحته وعدمه أولى به لمفسدته، وكلاهما متساويان، فهذا مما لم يقم دليل على ثبوته، بل الدليل يقتضي نفيه، فإن المصلحة والمفسدة، والمنفعة والمضرة، واللذة والألم، إذا تقابلا فلا بد أن يغلب أحدهما الآخر" (٢).

وقد مالت طائفة إلى إثبات هذه الحالة، منهم: العز ابن عبد السلام -رحمه الله- (٣).

وقال الغزالي -رحمه الله-: "إن الأسباب الدنيوية مختلطة قد امتزج خيرها بشرها، فقلما يصفو خيرها. . . ولكن تنقسم إلى ما نفعه أكثر من ضره. . . وإلى ما ضره أكثر من نفعه وإلى ما يكافئ ضرره نفعه" (٤).


(١) التعيين في شرح الأربعين، للطوفي، (ص ٢٧٨).
(٢) مفتاح دار السعادة، لابن القيم، (٢/ ٣٤٩).
(٣) قواعد الأحكام، للعز ابن عبد السلام، (١/ ١٣٦).
(٤) إحياء علوم الدين، لأبي حامد محمد بن محمد الغزالي، دار المعرفة، بيروت، (٤/ ١٠٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>