للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد رجَّح بعض العلماء في حالة الاستواء اختيار درء المفسدة، فقد قال ابن السبكي -رحمه الله-: "تقديم درء المفاسد على جلب المصالح عند التعارض إنما هو فيما إذا تساويا من حيث المصلحة والمفسدة" (١).

وقال الخادمي -رحمه الله- (٢): "والأصل في اجتماع المفسدة والمصلحة ترجيح جانب المفسدة عند الاستواء" (٣).

وقد يستدل لذلك المنحى بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" (٤).

حيث أطلق في الحديث الاجتناب في المنهيات، ولو مع مشقة في الترك، وقيد في المأمورات بقدر الطاقة والوسع، وقد نقل هذا عن الإمام أحمد -رحمه الله-. (٥)

ولأن الغالب في الواجبات أن لها بدلاً، وأما فعل المحرمات فإنه لا يُتَمَكَّنُ غالبًا من تلافي مفسدتها بعد وقوعها.

فلو أن إنساناً أكره على أحد أمرين إما ترك واجب، أو فعل محرم، وهما في رتبة واحدة، فالأولى ترك الواجب بدلاً من فعل المحرم؛ إذ درءُ المفسدة مقدَّمٌ على جلب المصلحة.


(١) الإبهاج، لابن السبكي، (٣/ ٦٥).
(٢) عبد الله بن محمد بن مصطفى، الخادمي، الرومي، الحنفي. فقيه، أصولي، واعظ، مشارك في بعض من العلوم، من مصنفاته: منافع الدقائق شرح مجامع الحقائق لوالده في الأصول، شرح البسملة لوالده، توفي سنة ١١٩٢ هـ. معجم المؤلفين، لعمر رضا كحالة، (٦/ ١٤١).
(٣) بريقة محمودية، للخادمي، (١/ ٢٦٥ - ٢٦٦).
(٤) قطعة من حديث أخرجه: البخاري، كتاب الاعتصام بالكتاب، باب: الاقتداء بسنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، (٧٢٨٨)، ومسلم، كتاب الحج، باب: فرض الحج مرة في العمر، (١٣٣٧)، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "دعوني ما تركتكم؛ إنما هلك من كان قبلكم بسؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا نهيتكم. . . " فذكره.
(٥) فتح الباري، لابن حجر، (١٣/ ٢٦١).

<<  <  ج: ص:  >  >>