للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الثاني: يقدم الأمر أو الواجب على ما سواه مطلقًا، وهذا مذهب ابن تيمية وابن القيم. (١)

وذهب الآمدي والهندي (٢) وابن حمدان إلى تقديم المبيح على الأمر أو النهي. (٣)

وقد استدل أصحاب المذهب الأول لمذهبهم وعللوه بعدد من الأدلة والتعليلات منها:

١ - أن النهي وَرَدَ جازمًا وعُلِّقَ الأمرُ بالاستطاعة، وذلك في مثل قوله تعالى:

{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: ١٦]، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم". (٤)

وقال الشاطبي -تعليلًا لهذا المذهب-: "إن المناهي تمتثل بفعل واحد وهو الكفِّ، فللإنسان قدرة عليها في الجملة من غير مشقة، وأما الأوامر فلا قدرة للبشر على فعل جميعها، وإنما تتوارد على المكلف على البدل بحسب ما اقتضاه الترجيح، فترك بعض الأوامر ليس بمخالفة على الإطلاق بخلاف بعض النواهي فإنه مخالفة في الجملة". (٥)

وقال الطوفي -في تسبيب الفرق بين المأمور به والمنهي عنه-: "لأن تَرْكَ المنهي عنه عبارة عن استصحابِ حالِ عدمِهِ والاستمرار على عدمه، وليس ذلك ما لا يُستطاع حتى يسقط التكليف به، بخلاف فعل المأمور به، فإنه عبارة عن إخراجه من العدم إلى الوجود، وذلك يتوقف على شروط وأسباب كالقدرة على الفعل ونحوها، وبعض ذلك يستطاع، وبعضه لا يستطاع، فلا جَرَمَ سقط التكليف به؛ لأن الله -عز وجل- أخبر


(١) إعلام الموقعين، لابن القيم، (٢/ ١٢٠ - ١٢١)، الفوائد، لابن القيم، (ص ١٢٠).
(٢) أبو عبد الله، صفي الدين، محمد بن عبد الرحيم بن محمد، الهندي، الأرموي، الشافعي، كان فقيهًا أصوليًّا متكلمًا، من مصنفاته: الزبدة والفائق في علم الكلام، والنهاية، والرسالة السيفية في أصول الفقه، ولد سنة ٦٤٤ هـ، وتوفي سنة ٧١٥ هـ. الدرر الكامنة، لابن حجر، (٤/ ١٤)، وشذرات الذهب، لابن العماد، (٨/ ٦٨).
(٣) شرح الكوكب المنير، لابن النجار، (٤/ ٦٥٩)، الإحكام، للآمدي، (٤/ ٢٦٠).
(٤) سبق تخريجه.
(٥) الموافقات، للشاطبي، (٤/ ٢٧٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>