للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما الدنيوية: فإن الأعمال مقدمات لنتائج المصالح، وهي أسباب لمسببات مقصودة للشارع الحكيم، والمسبباتُ هي مآلاتُ الأسباب، فاعتبارُها في جريان الأسبابِ مطلوبٌ، وهو معنى النظر في المآلات.

الدليل الثاني: أن مآلات الأعمال إما أن تكون معتبرةً شرعًا، أو غير معتبرة، فإن اعتبرت فهو المطلوب، وإن لم تعتبر أمكن أن يكون للأعمال مآلاتٌ مضادةٌ لمقصود تلك الأعمال، وذلك غير صحيح؛ لما تقرر سابقًا من أن التكاليف الشرعية لمصالح العباد، ولا مصلحة تتوقع مع إمكان وقوع مفسدة توازيها أو تزيد.

الدليل الثالث: الاستقراء التامُّ؛ وذلك لأنَّ تَتَبُّعَ أدلة الشريعة المختلفة يُرشد إلى اعتبار النظر في المآلات جملةً وتفصيلًا (١).

وبالجملة فإن الأدلة الدالة على هذا الأصل ليست مقصورةً ولا محصورةً بما سبق، ولقد ساق ابن القيم -رحمه الله- تسعةً وتسعين دليلًا من الكتابِ والسنةِ وعملِ الصحابة -رضي الله عنهم- كلها تنطق بهذا الأصل وتقرره (٢).

[ضوابط الاجتهاد بالنظر في المآلات]

ومما ينبغي الالتفات إليه في هذه القاعدة: ضوابطُ الاجتهاد بالنظر في المآلات، ومن ذلك:

١ - تَرَجُّحُ حصولِ المآل سواء أكان مصلحة أم مفسدة، وذلك بغلبة الظن على أقل تقدير:

وقد قضى عمر في رجلٍ فتحَ نوافذَ على بيتِ جارِهِ بأن يوضع سرير خلف تلك الكوى النافذة، ويقوم عليه رجل، فإن تأتَّى له النظرُ إلى ما في دار الرجل مُنِعَ من ذلك،


(١) الموافقات، للشاطبي، (٤/ ١٩٥ - ١٩٧) بتصرف واختصار.
(٢) إعلام الموقعين، لابن القيم، (٣/ ١٣٧)، وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>