للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد استند القرافي في مشروعيته إلى إجماع لا يستند إلى نصٍّ مرفوع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ وإنما إلى ما جرى به العرف في زمنه - صلى الله عليه وسلم -، وبين الصحابة من العمل بالقِرَاض أو المضاربة، وهذا الإجماع السكوتي المستَنِدُ إلى العرف الجاري أو السنة التقريرية حجة عند الأكثر.

وقد قال الشوكاني -رحمه الله-: "وهذه الآثار تدل على أن المضاربة كان الصحابة يتعاملون بها من غير نكير؛ فكان ذلك إجماعًا منهم على الجواز" (١).

وقال ابن حزم -رحمه الله-: "كل أبواب الفقه ليس منها باب إلا وله أصل في القرآن والسنة نعلمه -ولله الحمد- حاشا القِراض؛ فما وجدنا له أصلًا فيهما ألبتة؛ ولكنه إجماع صحيح مجرد" (٢).

وقد استدل بعض العلماء على حجية العرف بالأدلة العامة القاطعة النافية للحرج؛ فقد قال الشيخ محمد مصطفى المراغي في سياق حجية العرف: "وأرى أن العمل به عملٌ بالأدلة الشرعية، وعملٌ بما يستفاد من مدارك التشريع في مواطنَ كثيرةٍ، وإن شئت فقل: إنه الكتاب؛ ففي الكتاب الكريم: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: ١٨٥]، {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: ٧٨]، وهذان النصان يجب أن تبقى سيطرتهما تامة على جميع التشريع الإسلامي، فإذا وجدنا أن العمل بالنصوص الخاصة يوقع في الحرج لحدوث ضرورة ما، أو لحدوث عرف عام يوجب تركه الحرج- وجب أن تقف النصوص الخاصة عن عملها في تلك المواطن، وأن يُعْمَلَ بالنص العام القاطع الموجب لنفي الحرج.

من ذلك نعلم أن العرف ليس دليلًا، وأنه لم يُعْمَلْ به لاعتباره دليلًا، وإنما يُعْمَلُ به امتثالًا للدليل العام القاطع الموجب لنفي الحرج (٣).


(١) نيل الأوطار، للشوكاني، (٥/ ٣١٨ - ٣١٩).
(٢) مراتب الإجماع، لابن حزم، عناية: حسن إسبر، دار ابن حزم، ط ١، ١٩٩٨ م، (ص ١٦٢).
(٣) الاجتهاد في الإسلام، لمحمد مصطفى المراغي، دار الاجتهاد، القاهرة، ١٣٧٩ هـ - ١٩١٩ م، (ص ٥١).

<<  <  ج: ص:  >  >>