للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما إن كانت غير حقيقية أو متوهمة أو مخالفة لأصول الشريعة أو نصوصها - فالعرف الراجع إليها غير معتبر؛ لأنه عرف فاسد (١).

وإذا تبين ما ذُكِرَ فلا غنى بالمجتهد والقاضي والمفتي عن اعتبار العرف الجاري في التعامل بين الناس لدى الإفتاء؛ لأن النص قد يتوقف في أخذ الحكم منه على العرف والعادة.

كما أنه لدى التطبيق يُطْلَبُ مراعاة العرف في مثل المعاملات الجارية بين الناس.

وقد نصَّ العلماء على ذلك كثيرًا؛ فهذا ابن عابدين في رسالته "نشر العَرْفِ في بناء بعض الأحكام على العُرْفِ" يقول: "فهذا كله وأمثاله دلائل واضحة على أن المفتي ليس له الجمود على المنقول في كتب ظاهر الرواية من غير مراعاة الزمان وأهله، وإلَّا يُضَيِّعُ حقوقًا كثيرة ويكون ضرره أكثر من نفعه، وليس للمفتي ولا للقاضي أن يحكما بظاهر الرواية ويتركا العرف، والله أعلم " (٢).

وقال القرافي: "إن إجراء هذه الأحكام التي مَدْرَكُهَا العوائد مع تغير تلك العوائد خلاف الإجماع وجهالة في الدين، بل كل ما في الشريعة يتبعُ العوائد يتغير الحكم فيه عند تغير العادة، إلى ما تقتضيه العادة المتجددة". ثم شرع يفصل: "ألا ترى أنهم لما جعلوا أن المعاملات إذا أطلق فيها الثمن يحمل على غالب النقود، فإذا كانت العادة نقدًا معيَّنًا حملنا الإطلاق عليه، فإذا انتقلت العادة إلى غيره عيَّنا ما انتقلت العادة إليه وألغينا الأول؛ لانتقال العادة منه " (٣).

وفيما يلي بعض الأمثلة على تغير الفتيا بتغير العرف:

١ - إن أبا حنيفة لم يجوِّز بيع النحل ودود القز قياسًا على سائر الهوام بجامع عدم المالية


(١) العرف وأثره في التشريع، د. السيد صالح عوض، (ص ٢٣٩).
(٢) نشر العرف، لابن عابدين، (٢/ ١٣١).
(٣) الإحكام في تمييز الفتاوي من الأحكام، للقرافي، (ص ٢١٨، ٢١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>