للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والتعبير بالزمان إنما كان لأنه وعاء التغير وظرف العوائد؛ فما كان من الأعراف أو العادات ليست أحكامًا شرعية بذاتها ولا مناطًا لحكم شرعي فما يُبنَى عليها من أحكام يتغير بتغييرها، ما لم تخالف نصًّا شرعيًّا أو إجماعًا منعقدًا، وما كان من الأعراف مناطًا لحكم شرعي لكن يتغير بتغير الأعراف والصالح فهو أيضًا مما يناله التغيير.

يدخل في هذا جميع التراتيب والأوضاع واللوائح الإدارية والإنسانية والتطورات العلمية، والاقتصادية والتي من شأنها أن تتغير الحياة بتغيرها، وأن تتأثر بتبديلها.

فالنظام التجاري والمرور وأنظمة المحاكم والجامعات والمؤسسات العقارية والبلديات ودوائر التوثيق والتصديقات، وأنواع التعزيرات المرتبطة بالمخالفات في تلك الجهات؛ كبيع الفاسد من الطعام، أو التزوير في المحَرَّرات، أو المخالفة في اشتراطات الصحة والسلامة، ونحو ذلك -فهذا كله مما تتغير أحكامه، وتتبدل بتبدل الأعراف واللوائح والتراتيب.

وقد جرى ذِكْرُ أمثلة من تلك الأحكام التي تتغير بتغير الأعراف وفساد أهل الزمان؛ كتضمين الصناع، واتخاذ الدواوين، وتضمين الساعي بالفساد، وأخذ الأجرة على أعمال من القربات، واتخاذ دار للسجن، ونحو ذلك (١).

قال القرافي -رحمه الله-: "إذا جاء رجل من غير أهل إقليمك يستفتيك لا تُجْرِهِ على عرف بلدك، واسأله عن عرف أهل بلده، وأجْرِهِ عليه وأفْتِهِ به دون عُرْفِ بلدك والمقرر في كتبك؛ فهذا هو الحق الواضح" (٢).

ويقول القرافي -رحمه الله-: "إن إجراء هذه الأحكام التي مدركها العوائد مع تغير


(١) قاعدة العادة محكمة، د. يعقوب الباحسين، ط مكتبة الرشد، (ص ٢٢٠ - ٢٢٦)، المدخل الفقهي، للزرقا، (٢/ ٩٤٥ - ٩٥١)، الوجيز، للبورنو، (٢٥٣ - ٢٥٦).
(٢) الفروق، للقرافي، (١/ ١٧٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>