للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجامعة النافعة، وعملوا من خلالها على التصدي لصعاب النوازل، ومدلهمات المسائل، وفيما سبق عرضه من قواعد أصولية وفقهية ما يشهد على أن اجتهادهم كان عن تقعيد وتأصيل؛ يبنى عليه التفصيل ويرتبط بالدليل والتعليل.

وفي التأكيد على هذا المعنى قال ابن عبد البر -رحمه الله- في باب من كتاب "جامع بيان العلم وفضله" بعنوان: "اجتهاد الرأي على الأصول عند عدم النصوص في حين نزول النازلة"، يقول -رحمه الله-: "وهذا يوضح لك أن الاجتهاد لا يكون إلا على أصول يضاف إليها التحليل والتحريم، وأنه لا يجتهد إلا عالم بها" (١).

وعليه فإنه يتعين على فقهاء الزمن الحاضر دراسة تلك الفتاوي والمسائل التي حكم فيها المتقدمون وفقًا لأصولهم وقواعدهم؛ ليستنبطوا تلك القواعد الجامعة، لترد إليها النوازل المعاصرة، وليستعينوا بذلك التراث الفقهي على تكوين الملكة الأصولية المقاصدية الفقهية التي تهيئ للتعامل مع المسائل المستحدثة، ولا سيما في مجال الأقليات الإسلامية التي تكثر عوارضها وتتنوع طوارئها ومشكلاتها.

وعلى فقهاء الزمن الحاضر أن يعلِّموا طلبتهم هذه المنهجية بالاتكاء على ما أصَّله الأقدمون، والانتفاع بطريقتهم العلمية الرائقة، وما أحسن قول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-في مجلس للتفقه والتعليم-: "أما بعد: فقد كنا في مجلس التفقه في الدين، والنظر في مدارك الأحكام الشرعية، تصويرًا وتقريرًا، وتأصيلًا وتفصيلًا، فوقع الكلام في. . . فأقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، هذا مبني على أصلٍ وفصلين. . . " (٢).

ودراسة ما كتبه الأقدمون في مقاصد الشريعة يفيد العالم المجتهد المتصدي لنوازل العصر كثيرًا، ويمكنه من التفريق بين رتب المقاصد والمقدم منها عند التعارض،


(١) جامع بيان العلم وفضله، لابن عبد البر، (٢/ ٨٤٨).
(٢) مجموع الفتاوي، لابن تيمية، (٢١/ ٥٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>