للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من أيام الدجال: أتكفينا فيه صلاة يوم واحد؟ فقال: "لا؛ اقدروا له قدره" (١).

وهذا عين الفقه في الدين، فقد سألوا عما تيقنوا حصوله، وكان سؤالهم نافعًا للأمة بلا ريب، سواء منهم من سيوجد في عصر الدَّجال، أو حتى من وجد قبله، وبلا شك فقد أفاد هذا بلاد الأقليات المسلمة في زماننا، والتي يبقى الليل فيها ستة أشهر، والنهار ستة أشهر، كما في بعض المناطق القطبية، أو يَقِلُّ فيها الليل جدًّا أو النهار وهو -لعمر الله- دليل على كمال هذا الدين وشموله، فلله الحمد والمنة.

فمثل هذه المسائل التي يُتوقع حصولها يُشْرع البحث فيها والسؤال عنها، وقد بيَّن ابن القيم -رحمه الله- هذا المعنى فقال: "والحق التفصيل؛ فإذا كان في المسألة نص من كتاب الله، أو سنة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أو أثر عن الصحابة لم يُكْرَهِ الكلام فيها، وإن لم يكن فيها نص ولا أثر، فإن كانت بعيدة الوقوع، أو مقدرة لا تقع لم يُستحب له الكلام فيها، وإن كان وقوعها غير نادر ولا مستبعد، وغرض السائل الإحاطة بعلمها؛ ليكون منها على بصيرة إذا وقعت اسْتُحِبَّ له الجواب بما يعلم، ولاسيما إن كان السائل يتفقه بذلك، ويعتبر بها نظائرها ويُفرع عليها، فحيث كانت مصلحة الجواب راجحة كان هو الأولى، والله أعلم" (٢).

ثانيًا: أن تكون النازلة من المسائل التي يسوغ النظر فيها:

تقرَّرَ فيما سبق أنه ينبغي على المجتهد ألَّا يشغل نفسه إلا بما ينفع الناس، وهذا الضابط ينطبق على ما سبق من التأكد من وقوع النازلة، أو غلبة الظن بوقوعها، وينطبق كذلك على ما نحن بصدده من المسائل التي حكمها كحكم ما لم يقع من المسائل؛ لعدم النفع والفائدة في البحث عن أحكامها، فعلى المجتهد والناظر أن يراعي ما فيه نفع الناس، وألا يشغل نفسه والآخرين إلا بما


(١) قطعة من حديث طويل، أخرجه: مسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب: ذكر الدجال وصفته وما معه، (٢٩٣٧)، من حديث النواس بن سمعان -رضي الله عنه-.
(٢) إعلام الموقعين، لابن القيم، (٤/ ٢٢٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>