للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ينفع الناس ويحتاجون إليه في دينهم ودنياهم.

أما الأسئلة الجدلية أو التي يراد بها إعنات المسئول، أو التعالم والتفاصح، أو نحو ذلك من المقاصد المذمومة، فلا ينبغي للناظر في النوازل أن يُلقي لها بالًا؛ لما فيها من المفسدة الراجحة على المصلحة -إن وجدت- ولذا روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى عن الغلوطات (١).

قال الخطابي في هذا المعنى: "إنه نهى أن يعترض العلماء بصعاب المسائل التي يكثر فيها الغلط؛ ليستزلوا بها ويستسقط رأيهم فيها، وفيه كراهية التعمق والتكلف فيما لا حاجة للإنسان إليه من المسألة، ووجوب التوقف عما لا علم للمسئول به" (٢).

ومما يلحق بهذا: أنه لا اجتهاد في مورد النص، فلا يجتهد الإنسان في مقابلة دليل قطعي، وإنما يجتهد في الجمع بين النصوص أو الترجيح بينها، وكذا فيما لا نص فيه.

وبناء على ما سبق فإن هذا الأصل تحته صور يسوغ للمجتهد أن ينظر فيها، وهي كما يلي:

١ - أن تكون هذه المسألة مما لا نص فيها قاطع ولا إجماع.

٢ - أن يكون ما ورد فيها من أدلة محتملًا قابلًا للتأويل، أو النصوص فيه متعارضة في الظاهر، وتحتاج إلى جمع أو ترجيح.

٣ - أن تكون المسألة مترددة بين طرفين وضح في كل واحد منهما مقصد الشارع في الإثبات في أحدهما، والنفي في الآخر.

٤ - ألَّا تكون المسألة المجتهد فيها من مسائل أصول الاعتقاد؛ فإن الخلاف في هذه


(١) أخرجه: أبو داود، كتاب العلم، باب: التوقي في الفتيا، (٣٦٥٦)، والإمام أحمد في "مسنده" (٥/ ٤٣٥)، من حديث معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنهما-. وضعَّفه الإمام أبو الحسن علي بن محمد بن القطان الفاسي في "بيان الوهم والإيهام الواقعَين في كتاب الأحكام"، تحقيق: د. الحسين آيت سعيد، دار طيبة، الرياض، ط ١، ١٤١٨ هـ - ١٩٩٧ م، (٤/ ٦٦، ٥/ ٦٥٤)، والشيخ الألباني في "تمام المنة في التعليق على فقه السنة"، المكتبة الإسلامية بعمان ودار الراية بالرياض، ط ٣، ١٤٠٩ هـ، (ص ٤٥).
(٢) معالم السنن، للخطابي، (٤/ ١٨٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>