للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالمنهجية المعتبرة عند أهل العلم، ثم يفتي بما ظهر له، وأما أن يتصور في ذهنه الجواب، ثم يبحث في الأدلة عما يوافق اعتقاده السابق، وربما يلوي أعناق النصوص؛ لتدل على ما يوافق اعتقاده فهذه خيانة للأمانة وإضلال للناس، وهو منهج أهل البدع والأهواء، الذين يحرفون الكلم عن مواضعه، ويصرفون النصوص عن ظواهرها؛ لتوافق آراءهم وأهواءهم.

قال ابن القيم -رحمه الله- ردًّا على من أوَّل حديثًا صحيحًا تأويلًا غير سائغ: "هذا لفظ الحديث وهو الأصح إسنادًا، وهو لا يحتمل ما ذكرتم من التأويل بوجه ما، ولكن هذا عمل من جعل الأدلة تبعًا للمذهب، فاعتقد ثم استدلَّ، وأما من جعل المذهب تبعًا للدليل، واستدلَّ ثم اعتقد لم يمكنه هذا العمل" (١).

سادسًا: ألا يجزم بأن هذا حكم الله إذا كان الجواب مبنيًّا على الاجتهاد:

إن المفتي التقي الورع لا يجزم بأن جوابه هو حكم الله في نفس الأمر إذا لم يكن عنده دليل قطعيٌّ، بل كان جوابه مبنيًّا على الظن والاجتهاد، وإنما يقول: هذا ما ظهر لي، أو نحو ذلك، ويعتقد أن رأيه صواب محتمل الخطأ، وأن رأي غيره خطأ محتمل الصواب.

وقد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أميره بريدة -رضي الله عنه- أن ينزل عدوه إذا حاصرهم على حكم الله، وقال له: "فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا، ولكن أنزلهم على حكمك" (٢).

قال ابن القيم -رحمه الله-: "فتأمل كيف فرَّق بين حكم الله، وحكم الأمير المجتهد، ونهى أن يُسمى حكم المجتهدين حكمَ الله، ومن هذا لما كتب الكاتب بين يدي أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- حكمًا حكم به، فقال: هذا ما أرى الله أمير المؤمنين عمر! فقال: لا! بل اكتب: هذا ما رأى عمر، فإن كان صوابًا فمن الله، وإن كان خطأ فمن عمر" (٣).


(١) زاد المعاد، لابن القيم، (٥/ ٢٦٨).
(٢) جزء من حديث أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب: تأمير الإمام الأمراء على البعوث. . . (١٧٣١) من حديث بريدة بن الحصيب -رضي الله عنه- مرفوعًا.
(٣) أخرجه: البيهقي في "السنن الكبرى"، كتاب آداب القاضي، باب: ما يقضي به القاضي. . .، (١٠/ ١١٦)، =

<<  <  ج: ص:  >  >>