للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكان من الواجب في مثله الوقوف مع الأمر العام.

ومثاله: حديث الصيام عن الميت (١)؛ فإنه لم يُنقَل استمرارُ عملٍ به ولا كثرة، إن أغلب الرواية فيه دائرة على عائشة وابن عباس، وهما أول من خالفاه.

وبسبب ذلك ينبغي للعامل أن يتحرَّى العمل على وفق الأولين، فلا يسامح نفسه في العمل بالقليل إلا قليلًا وعند الحاجة ومسِّ الضرورة.

أما لو عمل بالقليل دائمًا للزمه أمور:

١ - المخالفة للأولين في تركهم الدوام عليه، وفي مخالفة السلف الأولين ما فيها.

٢ - استلزام ترك ما داوموا عليه.

٣ - أن ذلك ذريعة إلى اندراس أعلام ما داوموا عليه، واشتهار ما خالفه.

فالحذرَ الحذرَ من مخالفة الأولين، فلو كان ثَمَّ فضلٌ ما، لكان الأولون أحقَّ به، والله المستعان.

والقسم الثالث: أن لا يثبت عن الأولين أنهم عملوا به على حال، فهو أشدُّ مما قبله، فكل مَنْ خالف السلف الأولين فهو على خطأ، وهذا كافٍ. والحديث الضعيف الذي لا يعمل العلماء بمثله جارٍ هذا المجرى.

وكثيرًا ما تجد أهل البدع والضلالة يستدلون بالكتاب والسنة، يُحَمِّلُونهما مذاهبهم، ويُغَبِّرُون بمشتبههما في وجوه العامة، ويظنون أنهم على شيء (٢).

وقد أوردتُ كلامَ الشاطبي بطوله لبيان أهمية هذا الضابط، والتنبيه على عناصره وأقسامه


(١) أخرجه: البخاري، كتاب الصيام، باب: مَن مات وعليه صوم (١٩٥٢)، ومسلم، كتاب الصيام، باب: قضاء الصيام عن الميت، (١١٤٧)، من حديث عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَن مات وعليه صيام صام عنه وليه".
(٢) الموافقات، للشاطبي، (٣/ ٥٦ - ٧١) بتصرف واختصار، تهذيب الموافقات، لمحمد بن حسين الجيزاني، دار ابن الجوزي، الرياض، ط ٢، ١٤٢٧ هـ (ص ٢٢٥) وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>