للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولهذا كان من شروط المتصدي للفتيا والاجتهاد: العلم بمواقع الإجماع، ومواطن الخلاف. قال سعيد بن جبير (١): "أعلم الناس أعلمهم بالإجماع والاختلاف" (٢).

الثالثة: الإفتاء الجماعي ليس إجماعًا، وليست أعمال المجامع الفقهية إجماعًا أصوليًّا، ولو كانت مجامعَ دوليةً أو عالميةً، على أن الرأي فيها يصدر بأغلبية مطلقة أو اتفاق، وهذا يمكن أن يقترب في المعنى من قول الجمهور عند الأقدمين، ولا شك أن الأصل كثرة الصواب وموافقة الحق في المسائل التي قال بها الجمهور قديمًا أو حديثًا، من غير قطع في جميع المسائل.

ومن كان مجتهدًا فخالف الجمهور فلا حرج عليه، ويسوغ له أن يفتى باجتهاده، ولا يجوز نقض حكم إذا حكم به، ولا منعه من الفتيا، ولا منع أحد من تقليده (٣).

ثالثًا القياس:

هو حمل فرعٍ على أصلٍ في حكمٍ بجامعٍ بينهما (٤).

وهو حجة عند أكثر العلماء من لدن الصحابة -رضي الله عنهم-، قال ابن القيم: "كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجتهدون في النوازل ويقيسون بعض الأحكام على بعض ويعتبرون النظير بنظيره" (٥).


(١) أبو محمد، سعيد بن جبير بن هشام الأسدي، الوالبي، مولاهم، الإمام الحافظ المقرئ المفسر الشهيد، أحد الأعلام روى عن ابن عباس فأكثرَ وجوَّد، وعن عبد الله بن مغفل، وعائشة، وعدي بن حاتم، وحدَّث عنه أبو صالح، السمان، وآدم بن سليمان والد يحيى، وأشعث ابن أبي الشعثاء، توفي سنة ٩٥ هـ. تهذيب الكمال، للمزي، (١٠/ ٣٥٨)، وسير أعلام النبلاء، للذهبي، (٤/ ٣٢١).
(٢) أخرجه الإمام أحمد في العلل ومعرفة الرجال (٣/ ٦٦) عن سعيد بن جبير أنه قال: أعلم الناس أعلمهم بالاختلاف.
(٣) ميثاق الإفتاء المعاصر، محمد يسري، (ص ٦٢).
(٤) روضة الناظر، لابن قدامة، (ص ٢٧٥)، التمهيد، لأبي الخطاب، (١/ ٢٤)، شفاء الغليل، للغزالي، (ص ١٨)، العدة في أصول الفقه، للقاضي أبي يعلى محمد بن الحسين الفراء البغدادي الحنبلي، تحقيق: د. أحمد بن علي سير المباركي، (١/ ١٧٤).
(٥) إعلام الموقعين، لابن القيم، (١/ ٢٠٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>