للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجزئياتها المرتبة عليها. . . فشأن الراسخين تصور الشريعة صورة واحدة يخدم بعضها بعضًا، كأعضاء الإنسان إذا صورت صورة مثمرة، وشأن متبعي المتشابهات أخذ دليلٍ ما أيًّا كان عفوًا وأخذًا أوليًّا، وإن كان ثَمَّ ما يعارضه من كلي أو جزئي، فكأن العضو الواحد لا يعطي في مفهوم أحكام الشريعة حكمًا حقيقيًّا" (١).

وقال كذلك: "حتى لتجد أحدهم آخذًا ببعض جزئياتها في هدم كلياتها حتى يصير منها إلى ما ظهر له ببادئ رأيه من غير إحاطة بمعانيها، ولا رسوخ في فهم مقاصدها، ولا راجعًا رجوع الافتقار إليها، ولا مسلِّمًا لما روي عنهم في فهمها ولا راجعًا إلى الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - في أمرها، ويعين على هذا الجهل بمقاصد الشريعة، وتوهم بلوغ درجة الاجتهاد باستعجال نتيجة الطلب، فإن العاقل قلما يخاطر بنفسه في اقتحام المهالك مع العلم بأنه محظور" (٢).

إن على المفتي والمجتهد أن يربط الدليل الجزئي بالمقاصد الكلية العامة، فإن قصر في أحدهما حصل له من النقص والخطأ بقدر ما قصر فيه، وعليه: فإن المجتهد محتاج غاية الحاجة إلى المقاصد عند استنباط الأحكام، وفهم النصوص، والتعرف على أسرار التشريع؛ لإلحاق النوازل والمستجدات بما يشبهها من وقائع سابقة، وأقوال للأئمة المتقدمين، وكذلك فإن مقاصد الشريعة تعدُّ من وسائل الترجيح بين الأقوال والأدلة التي ظاهرها التعارض، وذاك -لعمر الله- باب من العلم لا يحسنه إلا من وفقه الله، وألهمه رشده.

وكذلك إن دعته الحاجة إلى استعمال القياس أو الاستصلاح أو الاستحسان أو العرف فإنه لا يستغني عن مقاصد الشريعة.


(١) الاعتصام، للشاطبي، (١/ ٢٤٤ - ٢٤٥).
(٢) الموافقات، للشاطبي، (٤/ ١٧٤ - ١٧٥) باختصار، الاعتصام، للشاطبي، (٢/ ١٧٣) بتصرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>