للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعمدةُ أدلةِ الجماهيرِ حديثُ معاذ -رضي الله عنه- لمَّا بعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن، فقال له:

". . . ادعُهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك فَأَعْلِمْهُمْ أنَّ الله افترض عليهم خمسَ صلواتٍ في اليوم والليلة؛ فإن هم أطاعوا لذلك، فَأَعْلِمْهُمْ أن الله افترض عليهم صدقةً في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وتُرَدُّ على فقرائهم" (١).

فالمقصود بها فقراء المسلمين لا غير، ولم يثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - أعطى أحدًا من أهل الذمة شيئًا من الزكاة بوصف الفقر، ولم يثبت أن أحدًا من الصحابة قد أعطى منها يهوديًّا مع كثرة اليهود بالمدينة، أو قراباتهم من أهل الشرك بالجزيرة، لا في زمن الهدنة ولا في غيرها.

وكلُّ ما عساه أن يُنْقَلَ في هذا الصدد محمولٌ على أنه من الصدقةِ المستحبةِ، لا الزكاةِ الواجبةِ، وذلك نحو قوله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة: ٨]

وقد وقع الإجماع على جواز التصدق على الكافر، وإعطائه من صدقة التطوع، وشرط بعض الفقهاء ألَّا يكون في إعطاء الحربي تقويةٌ له على قتال أهل الإسلام (٢).

واتفقوا -أيضًا- على أن الأَوْلَى في صدقات التطوع أن تكون لأهل الإسلام، إلَّا أن يدعوَ إلى الصدقة على غير المسملين داعٍ معتبرٌ رجحانُهُ.

قال السرخسي -رحمه الله-: "لأنهم يتقوون (يعني: المسلمين) على الطاعة وعبادة الرحمن، والذمي يتقوى بها على عبادة الشيطان" (٣).


= المطبعة الأميرية، القاهرة، ط ١، ١٣١٥ هـ، (١/ ٣٠٠).
(١) أخرجه البخاري، كتاب الزكاة، باب: وجوب الزكاة، (١٣٩٥)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب: الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام مطوَّلًا (١٩) من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-.
(٢) المبسوط، للسرخسي، (٣/ ١١١)، المغني، لابن قدامة، (٤/ ١١٤)، المجموع، للنووي، (٦/ ٢٤٠)، الفتاوي الهندية، (١/ ٢٠٧).
(٣) المبسوط، للسرخسي، (٣/ ١١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>