للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا كان أَمْرُ الزكاة في جمعها وتفريقها موكولًا إلى الإمام الشرعي فإن هذه الفريضة لا تزول ولا تسقط بغيابه، وإنما يقوم أهلُ الحَلِّ والعقد في تلك الديار مقامَ الإمام أو نائبه، فينفذون ما استطاعوا من الأحكام، وتقومُ المراكز والجمعيات والهيئات الإسلامية في تلك البلاد بعلمائها وقادتها مقامَ الإمام في النظر لمصلحة المسلمين والدفع عن المستضعفين، ولا شك أن التصرف على الأقلية منوط بالمصلحة.

وجاء في قرار المجلس الأوربي للإفتاء في دورته الثالثة:

"تدارسَ المجلسُ هذا الموضوع، وانتهى إلى مشروعية تحصيل هذه المؤسسات للزكاة من أصحابها وصرفها في مصارفها الثمانية، أو من وُجِدَ منهم، لا سيما أن المسلمين مأمورون بتنظيم حياتهم، ولو كانوا ثلاثة، كما جاء في الحديث النبوي:

"إذا كنتم ثلاثة في سفر فأمِّروا أحدكم" (١)، وأن ذلك من التعاون على البر والتقوى، كما أنه إحياءٌ لركن من أركان الإسلام، لا يتوقف على وجود الخليفة؛ لقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: ١٦]

وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" (٢)؛ فإذا لم نستطع إقامة الخلافة واستطعنا أداء ما يخصُّنَا من فرائضَ وواجباتٍ فعلينا أن نؤديَهَا كما أَمَرَ الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، وسقوط بعض الواجبات عنا للعذر لا يكون سببًا في إسقاط الكلِّ، وقد كان المسلمون في العهد المكي يُؤْتُونَ الزكاة التي وصف الله بها المؤمنين والمحسنين في كتابه الكريم في السور المكية، وذلك قبل قيام دولة المدينة، ونعني بها الزكاة المطلقة قبل


(١) أخرجه أبو داود، كتاب الجهاد، باب: باب في القوم يسافرون يُؤَمِّرُونَ أحدَهم، (٢٦٠٨)، والطبراني في الأوسط، (٨/ ٩٩) من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، (١٣٢٢).
(٢) سبق تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>