للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آدم ما هذا الجهد الذي بك؟ فقال: إلهي عظمت مصيبتي، وأحاطت بي خطيئتي، وصرت في دار الهوان بعد الكرامة، وفي دار الشقاوة بعد السعادة، وفي دار الموت والفناء بعد الخلد والبقاء، فكيف لا أبكي على خطيئتي؟ فأوحى الله تعالى إليه: يا آدم أما اصطنعتك لنفسي، ثم اصطفيتك على خلقي، وخصصتك بكرامتي، وألقيت عليك محبتي؟ أما خلقتك بيدي وأسجدت لك ملائكتي؟ ألم تكن في بحبوحة كرامتي ومنتهى رحمتي، فعصيت أمري، ونسيت عهدي، فكيف نسيت نعمتي؟ فوعزتي وجلالي لو ملأت الأرض رجالاً كلهم مثلك يعبدوني ويسبحوني الليل والنهار ولا يفترون ثم عصوني لأنزلتهم منازل العاصين.

قال: فبكى عند ذلك ثلاث مئة عام على جبل الهند تجري دموعه في أودية جبالها فنبتت من تلك الدموع أشجار طيبة، فقال له جبريل -عليه السلام -: اذهب إلى بيت الله الحرام، واصبر حتى تدخل أيام العشر، ثم تب إلى الله لعله يرحم ضعفك، فمضى فكان يخطو خطوة، فكان موضع قدميه عمرانًا، وما بينهما مفاوز.

وقيل: كان بين قدميه ثلاثة فراسخ، حتى أتى البيت، فطاف بالبيت أسبوعًا، وبكى حتى خاض في دموعه إلى ركبتيه، وجرت على الأرض، فقال: لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك عملت سوءًا، وظلمت نفسي فاغفر لي وأنت خير الغافرين، وارحمني إنك أرحم الراحمين، فأوحى الله إليه: يا آدم قد رحمت ضعفك، وغفرت ذنبك، وقبلت توبتك، فذلك قوله -عز وجل -: {فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه} [البقرة: ٣٧] فوجد آدم من بركات أيام العشر - التوبة.

وكذلك المؤمن الذي عصى ربه واتبع هواه في معصية مولاه إذا تاب وأناب، وانقاد لطاعة مولاه في هذه الأيام يتفضل عليه بالرحمة والغفران، وإبدال السيئات بالحسنات برحمة منه.

(فصل) وقد أقسم الله تعالى بـ {الفجر وليال عشر * والشفع والوتر * والليل إذا يسر ...} إلى قوله: {إن ربك لبالمرصاد} وهي ثمان قناطر على جسر جهنم، فيسئل العبد في أول موقف منها عن الإيمان بالله، فإن كان مؤمنًا نجا، وإلا تردى في النار، ثم جاز إلى الثاني فيسئل عن الوضوء والصلاة، فإن قصر فيهما تردى إلى النار، وإن أكمل ركوعها وسجودها نجا، ثم جاز إلى الثالث فيسئل عن الزكاة، فإن كان قد أداها نجا، ثم

<<  <  ج: ص:  >  >>