للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تمهيد

بالتأمل بما سطرته أيادي الفقهاء المباركة حول مفسدات الصوم نستطيع أن نقسمهم إلى فريقين في موقفهم من المُفَطِّرات، فمنهم الموسع في هذا الباب الذي جعل فهم طبيعة المُفَطِّرات أُحْجِية لا يفهمهما ولا يعرف حدَّها وعدَّها إلا متمكن في العلم الشرعي، وهذا أمر يتنافى مع مقتضى التكاليف وعادتها في فروض الأعيان، إذ هي من السهولة التي يستطيع كل مكلف أن يدرك أحكامها، وإلّا للزم التكليف بما لا يطاق، وهذا مما ليس في شريعتنا السمحة (١).

قال الشاطبي: «وثبت في الأصول الفقهية امتناع التكليف بما لا يطاق وأُلْحِق به امتناع التكليف بما فيه حرج خارج عن المعتاد» (٢).

ومن الفقهاء من يضيق المُفَطِّرات ويقصرها على ما جاء به النص، أو استوعبه عموم منطوق النص، أو دل عليه بالقياس الجلي، كما هو الحال مع ابن تيمية (٣)، والشيخ محمود شلتوت (٤)، والشيخ يوسف القرضاوي (٥)، والشيخ


(١) قاعدة «عدم التكليف بما لا يطاق» قررتها النصوص القطعية في الكتاب الكريم، كقوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٨٦]، وقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} [الحج:٧٨].
(٢) الشاطبي، إبراهيم بن موسى، الموافقات في أصول الفقه، مرجع سابق، ج ٢، ص ٦.
(٣) ابن تيمية، أحمد عبد الحليم بن تيمية الحراني، مجموع الفتاوى، مرجع سابق، ج ٢٥، ص ٢٤٢.
(٤) انظر: شلتوت، محمود، الفتاوى، (القاهرة: دار الشروق، الطبعة الثامنة عشر ١٤٢٤ هـ-٢٠٠٤ م) ص ١١٨.
(٥) انظر: القرضاوي، يوسف عبد الله، فقه الصيام، مرجع سابق، ص ٧٢.

<<  <   >  >>