للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَقَالَ رُوَيمٌ: المَحَبَّةُ المُوَافَقَةُ في جَمِيعِ الأَحوَالِ، وَأَنشَدَ:

ولو قلتَ لي: مُتْ، مُتُّ سمعاً وَطَاعَةً

وقُلتُ لداعي الموتِ: أهلاً ومَرْحَباً (١)

وَيَشهَدُ لِهَذَا المَعنَى أَيضاً قَولُهُ تَعَالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ﴾ [آل عمران: ٣١]، قَالَ الحَسَنُ: قَالَ أَصحَابُ النَّبِيِّ ﷺ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نُحِبُّ رَبَّنَا حُبّاً شَدِيداً؛ فَأَحَبَّ اللَّهُ أَنْ يَجعَلَ لِحُبِّهِ عَلَماً، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الآيَةَ (٢).

وَمِنْ هُنَا يُعلَمُ أَنَّهُ لا تَتِمُّ شَهَادَةُ «ألَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» إِلَّا بِشَهَادَةِ «أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّه»، فَإِنَّهُ إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ لا تَتِمُّ مَحَبَّةُ اللَّهِ إِلَّا بِمَحَبَّةِ مَا يُحِبُّهُ وَكَرَاهَةِ مَا يَكرَهُهُ، فَلا طَرِيقَ إِلَى مَعرِفَةِ مَا يُحِبُّهُ وَمَا يَكرَهُهُ إِلَّا مِنْ جِهَةِ مُحَمَّدٍ المُبَلِّغِ عَنْ اللَّهِ مَا يُحِبُّهُ وَمَا يَكرَهُهُ (٣)، فَصَارَت مَحَبَّةُ اللَّهِ مُسْتَلْزِمَةً لِمَحَبَّةِ رَسُولِهِ ﷺ وَتَصدِيقِهِ وَمُتَابَعَتِهِ.

وَلِهَذَا قَرَنَ اللَّهُ بَيْنَ مَحَبَّتِهِ وَمَحَبَّةِ رَسُولِهِ فِي قَوْلِهِ: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ﴾ إلى قوله: ﴿أَحَبَّ إِلَيْكُم مِنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [التوبة: ٢٤]، كَمَا قَرَنَ بَينَ طَاعَتِهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ ﷺ في مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ.


(١) أخرجه أبو عبد الرحمن السُّلَمي في «طبقات الصوفية» (ص ١٥٠)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (١٠/ ٣٠١).
(٢) أخرجه ابن جرير في «تفسيره» (٦/ ٣٢٢)، وابن المنذر في «تفسيره» (١/ ١٦٩).
(٣) قوله: [إلَّا مِنْ جِهَةِ مُحَمَّدٍ المُبَلِّغِ عَنْ اللَّه مَا يُحِبُّهُ وَمَا يَكرَهُهُ] لم ترد في نسخة (ب)، وورد مكانها: [إلَّا بِاتِّبَاعِ مَا أَمَرَ بِهِ وَاجتِنَابِ مَا نَهَى عَنْهُ].

<<  <   >  >>