للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

* قال ابنُ رجبٍ :

وَمَعَ هَذَا فَلا تَظُنُّوا أَنَّ المَرَادَ أَنَّ المُحِبَّ مُطَالَبٌ بِالعِصمَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ مُطَالَبٌ كُلَّمَا زَلَّ أَنْ يَتَلافَى تِلكَ الوَصمَةَ (١).

قَالَ زَيدُ بنُ أَسلَمَ: إِنَّ اللَّهَ لَيُحِبُّ العَبدَ حَتَّى يَبلُغَ مِنْ حُبِّهِ لَهُ أَنْ يَقُولَ: اذهَب فَاعمَل مَا شِئتَ فَقَد غَفَرتُ لَكَ (٢).

وَقَالَ الشَّعبِيُّ: إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبداً لَم يَضُرَّهُ ذَنبُهُ (٣).

وَتَفسِيرُ هَذَا الكَلامِ: أَنَّ اللَّهَ ﷿ لَهُ عِنَايَةٌ بِمَنْ يُحِبُّهُ مِنْ عِبَادِهِ، فَكُلَّمَا زَلَقَ ذَلِكَ العَبدُ فِي هُوَّةِ الهَوَى أَخَذَ بِيَدِهِ إلى نَجوَةِ النَّجَاةِ، يُيَسِّرُ له أَسبَابَ التَّوبَةِ، يُنَبِّهُهُ عَلَى قُبحِ الزَّلَّةِ، فَيَفزَعُ إِلَى الاعتِذَارِ، وَيَبتَلِيهُ بِمَصَائِبَ مُكَفِّرَةٍ لِمَا جَنَى (٤).

في بَعضِ الآثَارِ: يَقُولُ اللَّهُ تعالى: «أَهلُ ذِكرِي أَهلُ مُجَالَسَتِي، وَأَهلُ طَاعَتِي أَهلُ كَرَامَتِي، وَأَهلُ مَعصِيَتِي لا أُيَئِّسُهُم مِنْ رَحمَتِي، إِنْ تَابُوا فَأَنَا حَبِيبُهُم، وَإِنْ لَم يَتُوبُوا فَأَنَا طَبِيبُهُم، أَبتَلِيهِم بِالمَصَائِبِ


(١) في نسخة (ب): «الزلَّة».
(٢) لم أقف عليه.
(٣) أخرجه موقوفاً على الشعبيِّ: الحكيمُ الترمذيُّ في «نوادر الأصول» (٢/ ٣٥٠)، وأبو نعيم في «الحلية» (٤/ ٣١٨).
وروي مرفوعاً من وجهٍ ضعيفٍ جدّاً، أخرجه القشيري في «الرسالة القشيرية» (ص ١٧٨)، وابن النجار في «ذيل تاريخ بغداد» (١٨/ ٧٨).
(٤) قال ابن رجب في «شرح حديث لبيك اللَّهُمَّ لبيك» (ص ١١٣ - ١١٤): «قال بعضُهم: إذا أحبَّ اللَّه عبداً لم يضره ذنبه، ومراده أنه يمحوه عنه، وربما يجعل الذنب في حَقِّه سَبَباً لشدة خوفِه من ربه وذُلِّهِ وانكِسَارِه له، فيكون سبباً لرفع درجة ذلك العبد عنده، وإذا خَذَلَ عبداً وقضى عليه بذنب لم يُوَفِّقْهُ لشيءٍ من ذلك فَلَقِيَ اللَّه بذنبِه من غيرِ سَبَبٍ يمحوه عنه في الدنيا ثم يؤاخذه به في الآخرة فلا يغفر له».

<<  <   >  >>