للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بن عبد الوهاب في كتابه «التوحيد» باباً بهذا المعنى فقال: (باب مَنْ حَقَّقَ التوحيدَ دَخَلَ الجنَّة بغيرِ حِسَابٍ) ولا عَذَاب.

فمن كَمُلَت له هذه المعاني في قلبه لا بد وأن يظهر أثرُها على جوارحه فِعْلاً وأداءً للفرائض واجتناباً للمحرمات، فالتوحيد الكامل يمنع صاحبه من الإصرار على شيء من الذنوب، فالموحِّد قد يقع في الذنب لكونه غير معصوم، لكنه لا يُصِرُّ عليه؛ لأنَّ كمال إيمانه وتوحيده يمنعه من الإصرار عليه؛ لأن في قلبه من خوف اللَّه ورجاء ثوابه ما يوجب له الفزع إليه، والرجوع إليه .

فهذه جملةُ أجوبةِ أهلِ العلم عن هذه الأحاديث، وهي متفقةٌ في المآل، فأهل السُّنَّة والجماعة متَّفقون على أن هذه الأحاديث ليست على ظاهرها الذي يدَّعيه ويتعلَّق به المرجئة، أو يفهمه المغرورون من جهلة أهل السُّنَّة مثلاً، كما سبقت الإشارة إليه.

وهناك جوابٌ خامسٌ، ذَهَبَ إليه الإمامُ البخاريُّ (١)، وهو حمل هذه الأحاديث على مَنْ قال كلمة التوحيد نادِماً تائِباً (٢).


(١) قال البخاري في «صحيحه» (٥/ ٢١٩٣) [كتاب اللباس - باب الثياب البيض]، عقب سياقه لحديث أبي ذرٍ رقم (٥٤٨٩): «مَا من عبدٍ قالَ: لا إله إِلَّا اللَّه ثُمَّ مَاتَ على ذلكَ إلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ … » الحديث: «هذا عندَ الموتِ أو قبلَهُ إذا تَابَ ونَدِمَ وقالَ: «لا إِلَهَ إِلا اللَّه» غُفِرَ لَهُ».
(٢) قال ابن رجب في «جامع العلوم والحكم» (١/ ٥٢٧): «ويشهدُ لهذا المعنى حديثُ معاذٍ، عن النَّبيِّ : «مَنْ كان آخِرَ كلامِهِ لا إله إلا اللَّه، دَخَلَ الجنَّة»، فإنَّ المحتضرَ لا يكادُ يقولُها إلَّا بإخلاصٍ، وتوبةٍ، وندمٍ على ما مضى، وعَزْمٍ على أن لا يعودَ إلى مثله، ورَجَّحَ هذا القولَ الخطابيُّ في مصنَّفٍ له مفردٍ في التوحيد، وهو حَسَن».

<<  <   >  >>