للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ أَنْ لاَّ تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِين (٦٠)[يس]، فهؤلاء المجرمون إنما عبدوا الشيطان بطاعته، فإنَّ أكثرَ الأُمَمِ في الواقع لا تقصد عبادة الشيطان، وإنما عَبَدَت الشيطانَ بطاعته.

وقال إبراهيم ﵇: ﴿يَاأَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا (٤٤)[مريم].

فعلم بهذا أنَّ طاعةَ الشيطانِ هي نوعُ عبادةٍ له، وهي تختلف كما ذكرتُ.

إذاً؛ فالتألُّه للَّه والتعبُّد له يقتضي طاعتَه ومحبتَه وخوفَه ورجاءَه وإفرادَه بذلك.

وعلى هذا؛ فعبدُ اللَّه على الحقيقة هو الذي يُفرِدُ ربَّه بالطاعة، ولا يطيع إلا مَنْ أمره اللَّه بطاعته من الرُّسُلِ، كما قال تعالى: ﴿مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ﴾ [النساء: ٨٠]، ويقول نوح ﵇ لقومه: ﴿أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُون (٣)[نوح]، وكلُّ مَنْ أمر اللَّهُ بطاعتِه، فطاعتُه هي طاعةٌ للَّه، في حدودِ ما أمر اللَّه به من طَاعته.

فالعبوديةُ تقتضي كمالَ الطاعةِ، وكمالَ الحبِّ والذُّلِّ والإجلالِ، وما يتبع ذلك من الخوف والرجاء والتوكل، فيجب إفراد اللَّه ﷾ بكل أنواع العبادة الظاهرة والباطنة، ولا يحقق هذا المقام إلا الذين استثناهم اللَّه بقوله: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ﴾ [الحجر: ٤٢]، وقال ﷾ عن إبليس: ﴿قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِين (٨٢) إِلاَّ عِبَادَكَ

<<  <   >  >>