للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المخلوقات الأُخرى.

أما القوة الشهوانية فهي التي قال ابن الجوزي بشأنها إن: "الشهوانية إذا أفرطت خرج الإنسان إلى طبع البهيمية، ومن سيَّب هواه في مرعاه، وجعل حبله على غَاربه فقد خرج عن مركزه فصار أخسَّ من البهائم، لأن تلك تمضي بطباعها، وهذا قد خالف طبعه" (١).

ومن المعروف أن الإنسان قد جُبل على حب الشهوات والمتع الدنيوية بكل أنواعها لقَول الله تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} (٢).

والإِنسان يشترك مع الحيوان في هذه الدوافع والحاجات ولكنه يفترق عنه في وجود ضوابط إرادية تُعلي من شأن هذه الدوافع. ولكن متى غلبت على الإنسان شهواته .. واندفع في إشباعها بسرف وإفراط .. فإنه يصل إلى مرتَبة الحيوان الذي تحركه الدوافع فقط، بل ربما صار أضل من الحيوان لأنه مزود بالعقل والضوابط التي تهذب دوافعه وشهواته .. ولكنه تجاهلها واستعبدته الشهوات وألصقته بالأرض، فاستحق صفة الحيوانية.

أما الجانب الثالث من النفس وهو القوة الغضبية -كما بينها ابن الجوزي- فهي التي إذا أفرط فيها "خرج الإنسان إلى أخلاق السباع والضواري، فينبغي أن يروض نفسه بمخالفة الشهوانية، ويكسر الغضبية، ويتبع القوة الناطقة، حتى يتشبه بالملائكة، ويتحرز من عبودية الشهوة والغضب" (٣).

إن القوة الغضبية التي زود الله تعالى بها الإنسان هي لحمايته من الأخطار، وتوجيهها نحو الخير، "فيتحول الغضب من الغضب من أجل


(١) المرجع السابق، ص ١٣١.
(٢) سورة آل عمران، الآية ١٤.
(٣) مرجع سابق، ابن الجوزي. اللطائف والطب الروحاني. (تحقيق) عطا، عبد القادر، أحمد، ص ١٣١.

<<  <   >  >>