للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جـ - رأي ابن الجوزي في دفع جمع المال وتوجيهه:

وبعد معالجة الشره في الجماع وضرره على الإنسان، تعرض ابن الجوزي للشره في جمع المال، الذي اعتبره "من الجنون البارد إذا زاد على قدر الحاجة، لأن المال لا يراد لنفسه وإنما يراد لغيره، ولا ينكر على من جمع ما لا غنى للنفس عنه، فاستغنى به عن الناس، وأغنى أولاده، وبذل بعضه للمحتاجين" (١).

وعند تحليلنا لما ذكره ابن الجوزي، فإننا نرى أنه لا ينكر على الإنسان جمعه المال لأن من طبيعة النفس البشرية حب المال والحرص على جمعه، لقول الله تعالى: {وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا (١٩) وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا} (٢)، لأن جمع المال في الحس الإسلامي، يعتبر وسيلة لمرضاة الله تعالى في الدنيا والآخرة، عن طريق كسبه بالحلال، ثم إنفاقه في وجوهه المشروعة، لأن المال -كما ذكر ابن الجوزي- لا يراد لنفسه وإنما يراد لغيره.

ولا باس إذا كان جمع المال لطلب الاستغناء به عن الناس من السؤال، وصيانة الأبناء من التذلل إلى الآخرين، ولاسيما أن رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم - قد نهى عن السؤال فقال: "لأن يغدو أحدكم فيحطب على ظهره، فيتصدق به ويستغني به عن الناس، خير له من أن يسأل رجلًا، أعطاه أو منعه ذلك. فإن اليد العليا أفضل من اليد السفلى. وأبدأ بمن تعول" (٣).

وقصة رسولنا - صلى الله عليه وسلم - عندما عاد سعد بن أبي وقاص بمكة فبكى. فقال له: "ما يبكيك؟ فقال: قد خشيت أن أموتَ بالأرضِ التي هاجرتُ منها. كما مات سعدُ بن خولةَ. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم اشفِ سعدًا. اللهم اشفِ سعدًا" ثلاثَ مرات. قال: يا رسول الله: إن لي مالًا كثيرًا. وانما يرثُني ابنتي. أفأوصي بمالي كله؟ قال: لا. قال: فبالثلثين؟ قال: لا. قال: فالنصفُ؟ قال: لا. قال: فالثلثُ؟ قال: الثلثُ، والثلثُ


(١) المرجع السابق، ص ٩٩.
(٢) سورة الفجر، الآيتان ١٩ - ٢٠.
(٣) مرجع سابق، النيسابوري. صحيح مسلم. الجزء الثاني, ص ٧٢١، كتاب الزكاة، باب كراهة المسألة للناس، الحديث رقم ١٠٤٢.

<<  <   >  >>