للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بشرط التثبت، فإنه إذا حصل التثبت رأى قبح ما عزم عليه فترك" (١).

ومن علاج ابن الجوزي يتضح لنا أنه عندما وجهه إلى ضرورة النظر والتدبر في حالته عند الغضب والهدوء، فإنه لاشك سيلمس الفرق بينهما، فالغضب كما سبق أن ذكرنا حرارة تبعث على الحركة الطائشة التي لا تدرك ولا تميز في لحظة انفعالها بين الخطأ والصواب، فيتصرف الفرد بطريقة عشوائية تختلف عن لحظة هدوئه وسكونه، فإذا تفكر وتمعن الإنسان في حالته، فهو لا شك يثير في نفس الإنسانِ الخجل من تصرفاته .. فيحاول أن يهذب انفعال الغضب قدر الإمكان، ويتجنب ما يثيره، حتى لا يبدو في صورة مشينة في نظره ونظر الآخرين.

٦ - الاقتداء بالسلف الصالح في مجاهدتهم لنفوسهم وتهذيبها: فقد حث ابن الجوزي الغاضب على الاقتداء بالسلف الصالح في مجاهدتهم لنفوسهم وتطويعها لخلق الحلم والعفو وكظم الغيظ، ولاسيما أن النفس البشرية تميل إلى الاقتداء بالصالحين، وفي ذلك يقول ابن الجوزي: "وقد كان السلف إذا غضبوا غفروا وصفحوا طلبًا لفضيلة العفو وكظم الغيظ. ومنهم من يرى السبب في إغضابه ذنوب نفسه، ومنهم من يرى أنه مختبر" (٢).

وبهذه المعاني العظيمة، جاهد السلف الصالح نفوسهم وتحرروا من الثأر لأنفسهم طلبًا لمرضاة الله تعالى، ولكسب فضيلة الحلم والعفو، وحتى تسمو نفوسهم أرجعوا غضبهم إلى ذنوبهم ومعاصيهم، أو إلى ابتلاء الله لهم في إيمانهم حتى يعلم الصادق منهم.

٧ - ألا يعاقب الإِنسان من آذاه إلا بعد سكون غضبه: لقد أورد ابن الجوزي تحذيرًا تربويًا، لضبط النفس البشرية عند الغضب، وما ينتج منه من ظلم وبغي وعدوان على الآخرين، فقال: ولا ينبغي للغضبان على الشخص أن يعاقبه في حال غضبه، وإن كان مستحقًا للعقوبة، بل يمهل حتى يسكن الغضب، لتكون العقوبة بمقدار


(١) المرجع السابق، ص ١١١.
(٢) المرجع السابق، ص ١١١.

<<  <   >  >>