للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تجنى من أثر الطهارة بمفهومها الشامل على الشخص نفسه. وما لها من أثرٍ تربويٍ في النفس البشرية، "فعمليات الطهارة وما فيها من نشاطٍ وحركاتٍ وأفعالٍ عضلية تقوي الجسم وتنشطه وترفع من مقاومته للأمراض المختلفة، كما أنها تساهم في الوقاية من الأمراض التي سببها الخمول والكسل وكثرة الجلوس، وهي التي تسمى "أمراض المدنية الحديثة"، وعلى رأسها السمنة -البدانة- ومرض السكر الكهلي، وتصلب الشرايين وارتفاع الضغط الشرياني، وما يسببه من خثرات دمويةٍ، وصمامات شريانية تضرب القلب أو الدماغ أو سواهما" (١).

هذه الفوائد التربوية وغيرها، إذا تفكر فيها الإنسان بقلبٍ خاشعٍ، وعقلٍ واعٍ، كان ذلك كافيًا، لأن تتهيأ نفسه للدخول في الصلاة، وهي منطلقة إلى آفاق نورانيةٍ رحبةٍ، لتتم الصلة القوية بالله تعالى، وتُؤتي الصلاة ثمارها المباركة للنفس والروح والبدن.

إن ابن الجوزي أغفل هذه النواحي التربوية، والثمرات الإيمانية للطهارة بمفهومها الشامل، وعرض هذه المعلومات الفقهية كأي فقيه إسلامي تهمه الأحكام الشرعية فقط، دون الاهتمام بالآثار التربوية والنفسية، ولكن مع ذلك يمكن أن نستخلص من هذه الأحكام الفقهية نفسها، المبادئ التربوية المتعلقة بالصحة العامة للإنسان.

وأخيرًا. . . من خلال عرضنا لآراء ابن الجوزي في التربية الجسمية والصحية، فإنه يكشف لنا عن فهمه الدقيق لمقاصد الشريعة الإسلامية الخمسة وهي: "حفظ الدين، والنفس، والعقل، والعرض، والمال" (٢)، وقدرته على ربط هذه المقاصد بطبيعة النفس البشرية، لتربي الجانب الجسمي في الإنسان، ثم استخدام ابن الجوزي الأسلوب القصصي، المعتمد على التجربة الذاتية. كقصة رفاهيته -وما لها من أثرٍ فعالٍ في تغيير السلوكيات الصحيحة، واستبدالها بالسلوكيات الخاطئة،


(١) علوان، د. فارس. وفي الصلاة صحة ووقاية. جدة، دار المجتمع للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، ١٤٠٧ هـ - ١٩٨٧ م، ص ١٥٩.
(٢) مرجع سابق، خلاف، عبد الوهاب. علم أصول الفقه. ص ١٩٩.

<<  <   >  >>