للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أبي الدنيا مؤدب المعتضد، وابن قتيبة صدَّر كتابه بمدح الوزير. وما زال خلف من العلماء والزهاد يعيشون في ظل جماعة من المعروفين بالظلم. وهؤلاء وإن كانوا سلكوا طريقًا من التأويل فإنهم فقدوا من قلوبهم وكمال دينهم أكثر مما نالوا من الدنيا" (١). أما الصنف الثاني فقد قال فيهم: "فعلمنا أن كمال العز وبعد الرياء إنما يكون في البعد عن العمال الظلمة. ولم نر من صح له هذا إلا في أحد رجلين. إما من كان له مال كسعيد بن المسيب كان يتجر في الزيت وغيره، وسفيان الثوري كانت له بضائع، وابن المبارك. وإما من كان شديد الصبر قنوعًا بما رزق وإن لم يكفه كبشر الحافي، وأحمد بن حنبل. ومتى لم يجد الإنسان كصبر هذين، ولا كمال أولئك، فالظاهر تقلبه في المحن والآفات، وربما تلف دينه" (٢).

د - حسن استغلال الوقت:

على العالم أن يكون حريصًا على وقته منتفعًا به، يقضي كل وقته بين العلم والعمل به ونشره بين الناس، إلا ما اقتضته ضرورة الأكل والشرب والنوم والراحة. وهذا ابن الجوزي يبين إلى أي مدى كان حرصه على الاستفادة من الوقت وحسن استغلاله، حتى في أثناء زيارة الناس له، فقال: "فصرت أدافع اللقاء جهدي، فإذا غُلبت قصرت في الكلام لأتعجل الفراق. ثم أعددت أعمالًا لا تمنع من المحادثة لأوقات لقائهم لئلًا يمضي الزمان فارغًا. فجعلت من الاستعداد للقائهم قطع الكاغد (الورق) وبَري الأقلام، وحزم الدفاتر، فإن هذه الأشياء لابدّ منها، ولا تحتاج إلى فكر وحضور قلب، فأرصدتها لأوقات زيارتهم لئلا يضيع شيء من وقتي" (٣).

وقد استند ابن الجوزي في حرصه على الوقت إلى قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -، (وإن لم يستشهد به): "لا تزولَ قدمًا عبدِ يومَ القيامةِ حتى يُسأل عن عمره فيم أفناه، وعن علمه فيم فعلَ، وعن مالِه من أين اكتسبَه


(١) المرجع السابق، ص ١٦١.
(٢) المرجع السابق، ص ١٦٢.
(٣) المرجع السابق، ص ٢٢٨.

<<  <   >  >>