للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جـ - تعميق التفكر في ظاهرة الموت وما بعده:

يعتبر الموت من الأمور العقائدية في حياة المسلم، لذلك لابد من التدبر والتفكر في مصير المرء بعد حياة مليئة بالمصاعب والأعباء المعيشية، والالتزامات الأسرية، والمعاناة اليومية فلا ينسى في غمرة هذه الحياة، مصيره بعد الموت، وماذا أعدّ لدار البقاء والإقامة الدائمة. وابن الجوزي يلفت نظرنا إلى أنه من طبيعة الإنسان إذا مات له قريب أو عزيز، أن يحزن على فراقه، ولا يتفكر في العِظة من الموت، فقال: "ما زلت على عادة الخلق في الحزن على من يموت من الأهل والأولاد، ولا أتخايل إلا بلى الأبدان في القبور فأحزن لذلك" (١). ولكن ينبغي أخذ العظة والعبرة من الموت، والتفكر فيما آل إليه حال الأحباب والأصحاب، قبل أن يفوت الأوان، فيدركه الموت، ويصبح عظةً لغيره، فقال في ذلك: "وأي موعظةٍ أبلغ من أن ترى ديار الأقران وأحوال الإخوان وقبور المحبوبين، فتعلم أنك بعد أيامٍ مثلهم، ثم لا يقع انتباه حتى ينتبه الغير بك. . . ." (٢).

ثم يبين ابن الجوزي حال المؤمن في تدبره للموت، فيقول: "والمؤمن إذا رأى ظلمة ذكر ظلمة القبر، وإن رأى مؤلمًا رأى العقاب، وإن سمع صوتًا فظيعًا ذكر نفخة الصور، وإن رأى الناس نيامًا ذكر الموتى في القبور، وإن رأى لذة ذكر الجنة، فهمّته متعلقة بماثَمَّ، وذلك يشغله عن كل ماتمَّ" (٣). ثم يصف حاله وهو يتفكر في نعيم الجنة الدائم، فيدفعه ذلك للصبر وتحمل المشاق، فقال في ذلك: "فيكاد إذا تخايل نفسه متقلبًا في تلك اللذات الدائمة التي لا تفنى يطيش فرحًا، ويسهل عليه ما في الطريق إليها من ألم ومرض وابتلاء وفقد محبوب وهجوم الموت ومعالجة غصصه" (٤). كذلك من صفات المؤمن. أنه إذا تذكر الموت، وما ارتكبه من ذنوب عظيمة، انتابه خوف وقلق من سوء المصير، قال ابن الجوزي: "ثم يتخايل المؤمن دخول النار والعقوبة


(١) مرجع سابق، ابن الجوزي. صيد الخاطر. ص ٢٧٢.
(٢) المرجع السابق، ص ٣٢٣.
(٣) المرجع السابق، ص ٣٩٩ - ٤٠٠.
(٤) المرجع السابق، ص ٤٠٠.

<<  <   >  >>