للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبناء على المعنى اللغوي، فالمقصود من قول ابن الجوزي، هو كف أعضاء الإنسان من سمع وبصر ولسان، ويد ورجل عن ارتكاب المعاصي التي نهى عنها الإِسلام. وقد وردت بعض الأحاديث النبوية الشريفة، التي تحث على تنزيه هذه الجوارح من معصية الله تعالى، قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "كُتبَ على ابن آدمَ نصيبُه من الزنى مدركٌ ذلك لا محالةَ. فالعينان زناهما النظرُ. والأذنان زناهما الاستماعُ. واللسانُ زناه الكلامُ. واليدُ زناها البطشُ. والرجلُ زناها الخُطا. والقلبُ يهوى ويتمنى. ويصدّقُ ذلك الفرجُ ويكذّبُه" (١). وقد ورد في شرح هذا الحديث في صحيح مسلم نفسه، أن المقصود بالزنى، الزنى المجازي وليس الحقيقي.

إن للجوارح من سمع وبصر ولسان وشم ولمس وذوق ويدين ورجلين، أثرًا كبيرًا في اتباع الشهوات أو اجتنابها، فهي موصل جيد لرغبات الإنسان إلى القلب، وقد شبهها ابن الجوزي بالسواقي التي تحمل مع الماء كل شيءٍ، فقال: "إن الجوارح كالسواقي توصل إلى القلب الصافي والكدرِ، فمن كفها عن الشر جلت معدة القلب بما فيها من الأخلاط فأذابتها، وكفى بذلك حمية، فإذا جاء الدواء صادف محلًا قابلًا" (٢). أما من ترك الجوارح دون ضبطٍ وكف وتهذيب عن المحرمات، فقد أوقعها في المعاصي والآثام؛ قال ابن الجوزي في ذلك: "ومن أطلقها في الذنوب أوصلت إلى القلب وسخ الخطايا وظلم المعاصي، فلو وضع الدواء كان بينه وبين القلب حجاب" (٣). وحتى نحافظ على الجوارح عفيفة مبرأة من الذنوب، فقد نصح ابن الجوزي بالعزلة النافعة علاجًا لها، فقال: "فلا تكاد الجوارح تسلم من الخطايا إلا بالعزلة، فمن أمكنه فما أحسنه" (٤)، فمن لم يستطع بالعزلة فعليه بمجاهدة النفس، وتدريب الجوارح على الالتزام بما أمر الله، واجتناب ما نهى، قال ابن


(١) مرجع سابق، النيسابوري. صحيح مسلم. الجزء الرابع، ص ٢٠٤٧، كتاب القدر، باب قدر على ابن آدم حظه من الزنى وغيره، حديث رقم ٢١.
(٢) مرجع سابق، ابن الجوزي. التبصرة. الجزء الثاني. ص ٢١٩.
(٣) المرجع السابق، الجزء الثاني، ص ٢١٩.
(٤) المرجع السابق، الجزء الثاني، ص ٢١٩.

<<  <   >  >>