للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وحتى تُقبل التوبة، لابد لها من شروط لصحتها، قال ابن الجوزي في ذلك: "ومن شروط صحتها: أن تكون قبل معاينة أمور الآخرة، فمن باشره العذاب أو عاينه فقد فات موسم القبول، فاستدرِكوا قبل المفاجأة بالفوات الذي لا يؤمنَ" (١).

وتختلف النفس البشرية في درجة معصيتها ثم توبتها من فرد لآخر. وقد صنف ابن الجوزي التائبين إلى فريقين من الناس، الأول قال فيه: "إن التائب الصادق كلما اشتد ندمه زاد مقته لنفسه على قبح زلته، فمنهم من قوي مقته لها، ورأى تعريضها للقتل مباحًا في بعض الأحوال فعرَّضها له، كما فعل ماعز والغامدية" (٢). وقد وثق ابن الجوزي كلامه بقصة زنى ماعز واعترافه بذلك، ثم رجمه حتى الموت، وقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - في توبته: "لقد تابَ توبة لو قُسِمتْ بين أمةٍ لوسعتْهم" (٣). وقوله - صلى الله عليه وسلم - في الغامدية عندما اعترفت بالزنى فرجمت: "لقد تابتْ توبةً لو تابها صاحب مكس لغفر له" (٤).

فمدح ابن الجوزي هذه الفئة من التائبين بقوله: "فانظر إلى مقت هؤلاء أنفسهم حتى أسلموها إلى الهلاك غضبًا عليها لما فعلت" (٥).

أما الفئة الأُخرى من التائبين، فقد قال فيهم: "ومن التائبين من لم يجز له التعريض بقتلها، فكان ينغص عيشها" (٦). وقد قص ابن الجوزي هذه القصة لتأكيد قوله، فقال: "قال بعض السلف: رأيت ضيغمًا


(١) المرجع السابق، الجزء الأول، ص ٣٢٩.
(٢) المرجع السابق، الجزء الأول، ص ٣٦٠.
(٣) المرجع السابق، الجزء الأول، ص ٣٦١ وكذلك، مرجع سابق، النيسابوري. صحيح مسلم. الجزء الثالث، ص ١٣٢٢، كتاب الحدود، باب من اعترف على نفسه بالزنى، حديث رقم (٢٢ - ١٦٩٥).
(٤) مرجع سابق، ابن الجوزي. التبصرة. الجزء الأول، ص ٣٦١ وكذلك، مرجع سابق، النيسابوري. صحيح مسلم. الجزء الثالث، ص ١٣٢٤، كتاب الحدود، باب من اعترف على نفسه بالزنى حديث رقم (٢٤ - ١٦٩٦).
(٥) مرجع سابق، ابن الجوزي. التبصرة. الجزء الأول، ص ٣٦١.
(٦) المرجع السابق، الجزء الأول، ص ٣٦١.

<<  <   >  >>