للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إن العرب الذين كانوا في مكة والذين حاربهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وسفّهَ عقائدَهم والذين سمّاهم القرآن مشركين كانوا يؤمنون بذلك، ويعترفون بأن الذي خلق السماوات والأرض هو الله. فلو كان هذا الاعتراف يكفي وحده لكانوا مؤمنين لا مشركين. فإذا جاءك هذا الإنسان يقول لك إنه يؤمن أيضاً بأن الذي يملك الموت والحياة ويتصرف في هذا الكون، ويعطي ويمنع ويضر وينفع، هو الله. هل تقول إنه صار من المؤمنين؟

لا، بل لا بد من شرط ثالث؛ هو أن يسلك سلوكاً يوافق هذا الإيمان، فتكون عبادته لله وحده، لا يشرك معه أحداً فيها ولا يجعل وسيطاً يعبده معه ليقربه إليه. قال تعالى: {قُل أعُوذُ بِرَبِّ النّاسِ، مَلِكِ النّاسِ، إلهِ النّاس}.

لقد علمني الله في تفسير هذه السورة معاني لم أجدها في كتاب من كتب التفاسير؛ هي أن الله قال {رَبّ الناس}، {مَلِك النّاس}، {إله النّاس}، ما قال: رب الناس وملكهم وإلههم، إشارة إلى أنها ثلاث حقائق، كل حقيقة قائمة بذاتها مستقلة عن الأخرى، وكلها حق وصدق، وأنتم -يا معشر قريش- تؤمنون بأنه رب الناس وأنه ملك الناس، ولكنكم ترفضون أن تؤمنوا بأنه إله الناس. فلماذا تفرّقون بين قضايا متماثلة؟

إنها حقائق ثلاث سواء في الثبوت والصحة، فلماذا تصدقون باثنتين منها ولا تصدقون بالثالثة؟ مع أن مَن آمن بأن الله رب الناس وملك الناس لزمه لزوماً عقلياً أن يؤمن بأنه إله الناس، فلا يتخذ معه إلهاً غيره ولا يوجّه إلى غيره قليلاً أو كثيراً من معاني العبادة ومظاهرها.

<<  <   >  >>