للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أما المسلمون فعرفوا أن وراء هذا الفضاء مخلوقاً عظيماً، يحيط به كالسقف المرفوع، تهون عنده هذه الكواكب العظيمة وتَضْؤُل لأن له من الكِبَر والجلال ما لا نجد في لغتنا هذه التي وُضعت لهذه الأرض الحقيرة كلمةً تدل عليه؛ هذا المخلوق هو السماء الدنيا، ومن فوقها ستّ سماوات أخرى طِباقٌ بعضها فوق بعض، ومن فوقها أشياء أجلّ وأكبر لا تكاد هذه السماوات تُعَدّ -إذا قيست بها- شيئاً؛ هي العرش والكرسي، وهناك الجنة، عرضها السماوات كلها والأرض.

هذه هي المخلوقات التي كانت بكافٍ ونون، فما ظنك بالمكوِّن الباقي؟ ومن عرف هذا الجلال للمخلوق كيف يكون إجلاله للخالق؟ وهل يجد لحياته غاية إلا الاتصال به وعبادته؟ وهل يقف به عقله وهمّته في هذه الأرض؟ أي شيء هي الأرض في هذا الكون؟ ما هي في جَنْب الله؟

فهموا عقيدة القضاء والقدر أصحَّ فهم وأجودَه. وعقيدةُ القدَر محنة العقل البشري، تَزِلّ فيها العقول الكبيرة وتَضِلّ المدارك العالية، فكان فهمهم إياها أعونَ شيء لهم على ما وُفِّقوا إليه من عمل وأمضى سلاح بلغوا به ما بلغوا من ظفر؛ علموا أن كل شيء بخلق الله وبعلمه، ولكن الله لم يَضطرَّ أحداً إلى الخير اضطراراً ولم يجبره على الشر إجباراً، وإنما أعطاه العقل المميِّز ودلّه على الطريقين المختلفين، وقال له: هذا إلى الجنة والسعادة وهذا إلى النار والعذاب، وتركه وعقله. وأنه قدّر الأرزاقَ فلا زيادة ولا نقصان، وحدد الآجال فلا تقديم ولا تأخير، فما كان لك سوف يأتيك على ضعفك، وما كان لغيرك لن تناله بقوّتك؛ وإذا جاء

<<  <   >  >>