للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ابن أبى سفيان: هذا أمر لا يتمّ لك إلاّ بعمرو بن العاص، فإنّه فريع زمانه فى تدبّر الأمور وإحكامها، وهو يخدع ولا يخدع، وقلوب أهل الشام مائلة إليه، فقال معاوية: صدقت، ولكنّ ميله إلى علىّ بن أبى طالب أكثر، ومحبّته له أثرّ، وأخشى أنه لا يجيبنى إلى ما أريد، فقال: اخدعه بالأموال، وولاية مصر!

فكتب إليه معاوية يقول: من معاوية بن أبى سفيان (٢٨٤) خليفة عثمان ابن عفّان إمام المسلمين، وخليفة رسول ربّ العالمين، ذى النورين، وصاحب جيش العسرة، وبئر رومة، المعدوم الناصر، الكبير الخادل، المحصور فى منزله، المقتول عطشا وظلما فى محرابه، المعذّب بأسياف الفسقة، إلى عمرو بن العاص، صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلم وثقته، وأمير عساكره، المعظّم رأيه، المجرّب تدبيره، أما بعد:

لم يخف عليك احتراق قلوب المؤمنين بما أصيبوا من الفجعة بقتلة عثمان، وما ارتكب فيه جاره حسدا وبغيا، بامتناعه عن نصرته، وخذلانه إيّاه، وإشلاء (١) الغارة عليه، حتّى قتلوه فى محرابه، فيالها من مصيبة عمّت جميع المسلمين، وفرضت عليهم طلب دمه ممّن قتله، وأنا أدعوك اليوم إلى الحظّ الأجزل من الثواب، والنصيب الأوفر من حسن المآب، بقتال من آوى قتلة عثمان بن عفّان.

فكتب إليه عمرو بن العاص يقول: من عمرو بن العاص صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلم إلى معاوية بن أبى سفيان، أمّا بعد: فقد وصل كتابك وقرأته وفهمته، فأمّا ما دعوتنى إليه من خلع ربقة الإسلام من عنقى، والتهوّر فى الضلالة معك، وإعانتى إيّاك على الباطل، واختراط السيف فى وجه علىّ رضى الله عنه