للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أسرهما لابن مسعود: «إن هذا الرجل يكثر من تعظيمك». فقال له ابن مسعود:

«أنا رجل كبير فى قومى، وهذا غلامى». فعاد ذاك الرجل الخطائى يكرر لابن مسعود، ويقوم بحقه، وقال له: «لولا إن قومى عرفوا مكانك عندى وإلا كنت أطلقتك». ثم تركه أياما، فقال له ابن مسعود: «إن المنهزمين يرجعون ولا رأونى، فيظنون أهلى أنى قد قتلت، فيعملون مأتمى، ويتفرقون أموالى ويقتسمونها، فأهلك ولا أعود أجد ما أستفكّ به نفسى. فلعلك أن تقرر علىّ شئ من المال فأحمله إليك». فقرر عليه مالا جيدا، وقال: «أريد أن تأمر رجلا عاقلا يذهب بكتابى إلى أهلى، ويأتيك بما طلبت، وإن كنت تأمر أن تنفذ غلامى هذا فهم يعرفونه ويثقون به، فإن أصحابكم لا يعرفون أهلى». فأذن له ذلك الرجل فى إنفاذ غلامه. فعندها سيّر ابن مسعود السلطان خوارزم شاه، والخطائى يظن أنه غلامه.

ثم جهزه الخطائى بفرس وجنيب، وأنفذ معه جماعة من أهله وأقاربه، ووصّلوه إلى قريب من خوارزم، وعادوا وتركوه. ثم وصل السلطان إلى قريب من محل ملكه، فعرّف بنفسه، والتأمت عليه نواب بلاده، واستبشروا به أهل مملكته، وضربت البشائر بسائر ممالكه، وزينوا المدن والحصون.

وأما ابن مسعود فإنه أقام عند ذلك الرجل، فدخل عليه يوما فقال لابن مسعود:

«قد وردت الأخبار على ملكنا أن السلطان خوارزم شاه قد عدم فإيش عندك من خبره». فقال ابن مسعود: «أو ما تعرف خوارزم شاه؟». قال: «لا، والله». قال:

«هو والله أسيرك الذى سفرته وجعلته غلامى». فبهت الرجل وقال: «ولم لا عرفتنى حتى كنت خدمته وسرت بين يديه؟». فقال ابن مسعود: «قم الآن بنا نسير إليه، فإنه يحسن مكافأتك أضعاف ما أمّلته عندى». فسارا إليه، وقدما عليه، فجعل ابن مسعود حاجبا كبيرا، وجعل ذلك الخطائى أميرا، وأحسن إليهما غاية الإحسان، والله أعلم.