للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لما قوى مرضه، تولى الأمور وتدبير الأحوال بدر الدين لؤلؤ-وكان أستاداره والحاكم فى مملكته. فلما مات الملك قال الأكابر من الدولة: «لا يفوه أحد بموته».

وخرج بدر الدين لؤلؤ وجلس للناس، وقضى حوائجهم. ثم طلب الأمراء والناس، وأشاع بموته، بعد أن أتقن أمره. وأخرج الملك ودفنه فى مدرسته التى كان أنشأها مقابل داره. وكان نور الدين صاحب الموصل-رحمه الله-ملكا جميلا، جوادا، شجاعا، حسن الوجه، كريم المحيا، كثير البشاشة، كثير الهيبة على أهل مملكته، زائد العدل، لا يستحسن الظلم، يكون مع الضعيف بخلاف القوى، جيد الحيلة والتصرف فى أمور المملكة. وحكى عنه أنه لما توجه إلى نجدة صاحب ماردين حين حاصره الملك الكامل بن العادل وملك الربض منه، فحضر نور الدين إلى نجدته، وضرب مصافا مع الملك الكامل، وكسره. واستقرت قلعة ماردين شاغرة بلا ملك ولا مانع، فقيل له: «املك القلعة، فإنه لم يكن بها من يمنعك». فقال: «أعوذ بالله أن أغدر بصاحبها، وأكون قد أنجدته من عدوه وأخونه فى ملكه، فيكون مثلى كمثل الرجل مع أبى زريق، وذلك أن رجلا حاز بشعراء فسمع قائلا يقول: بالله عليك أدركنى وخلص فراخى. فنظر وإذا هو الطائر المعروف بأبى زريق، وحيّة التفّت على شجرة، طالعة إلى عشّ له فى تلك الشجرة، تريد فراخه، فرمى الرجل الحية بسهم فقتلها. ثم قال: والله إنك طائر حسن ذكى، لآخذنّ فراخه. فتسلق فى الشجرة يريد أخذ الفراخ. فلما نظر إليه ذلك الطائر وعلم أنه يريد أخذ فراخه.

قال له: يا إنسان قد عملت خيرا فتمه. فتعجب منه، ورجع على نفسه بالملامة. وأنا كذلك إن أخذت هذه القلعة فأكون عملت خيرا وما تميته». ثم إنه نفذ كتابا إلى صاحبها يبشره بالفتح والنصرة على الملك الكامل، ويستقدمه، فقدم، وسلمه قلعته.