للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالإجابة لكل ما طلبوه. وكان النيل قد عمّ البلاد، وكان عاليا، لما يريده الله عز وجل من خذلان أعدائه؛ إذ عبر جماعة من عسكر المسلمين فى الخليج وقطعوه، وعدوا إلى جزيرة الفرنج، وقطعوا عليهم جسرا من تلك الجسور المحيطة بهم. ولم يكن للفرنج خبرة بذلك، ولا يعلمون زيادة النيل، فساح عليهم، وغرق خيلهم ودوابهم، ودار بهم الماء من كل جانب ومكان. وعادوا يتأخرون إلى نحو الثغر ولا يجدون سبيلا.

وإن طلبوا نحو البحر لا يجدون سبيلا، ولا مراكبا تطيق العبور إليهم لعظمها.

وضايقهم النيل، ولم يبق لهم غير طريق واحدة، وهى أضيق الطرق، وأى طريق قصدوها غرقوا فيها.

فلمّا علم السلطان بما قد وقعوا فيه من البلاء الذى قد عمهم وطمّهم، أمر بالمراكب، وركبت الجيوش، وأخذوا عليهم سائر المذاهب والطرق، وحازوا بينهم وبين دمياط.

وفى ذلك النهار وصل للفرنج مركب عظيم يسمى مرمة، وفيه خلق عظيم، وسلاح كثير، وحوله عدة مراكب يحفظونه، وهو موسوق مأكول وسلاح وغير ذلك. فخرجت عليه شوانى المسلمين، وقاتلوهم أشد قتال، ونصر الله الإسلام، وأخذوا ذلك المركب العظيم بكل ما فيه. فلما رأوا الفرنج ذلك، انقطعت قلوبهم، وأيقنوا بالهلاك والدّمار. ثم أحاطت بهم عساكر الإسلام من كل وجه بالنشاب والرماح، وقلّ نشاطهم لما نالهم من الغرق الذى لم يكن لهم فى حساب. وأخذتهم الحجارة والنبل، وأحاط بهم البلاء، وصب عليهم الخذلان صبّا. فعندها أرموا خيامهم وأثقالهم، وأرادوا الزحف على المسلمين، لعلهم يقدرون على الوصول إلى ثغر دمياط، فحيل بينهم وبين ما يشتهون، وذلك لكثرة المياه التى عمتهم. فلما عجزوا عن ذلك، ذلت نفوسهم الخنزيرية، ونكست صلبانهم، وقهر شيطانهم، وذل سلطانهم،