للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد أمست ك‍ {الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ} (١)، وأصبحت {حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ} (٢).

وأمّا ما (٣) بقى من العدو بالساحل، فقد تركناهم مسلوبين المزايا، مشغولين بالزّزايا، أذلهم عدم النصير، وأصارهم الخوف حتى (٤) نصير. وتبدلوا بليل الهم الطويل عن يوم اللهو القصير.

وهذه المدينة لها ذكر فى البلاد، ومنعة كانت قد ضربت دون القصد بالاسداد.

فتحت فى صدر الإسلام، فى زمن الصحابة الكرام، فى ولاية [معوية] (٧) ابن أبى سفيان. وتنقلت فى أيدى الملوك من ذلك الزمان. وعظمت فى زمن بنى عمّار، حتى اشتهت ولو بتطليق الأعمار، وبنو (٩) بها دار العلم المشهورة.

فلما كان فى آخر الماية الخامسة المذكورة، (٢٥٨) ظهرت طوايف الفرنج بالشأم، واستولوا على البلاد، وعادوا بها حكام (١١). ولم تزل هذه المدينة بأيديهم إلى الآن.

وكانت الخلفاء والملوك فى ذلك الوقت كلّ منهم فى شأن، ما منهم إلا من هو مشغول بنفسه، مرابط على (١٤) مجلس أنسه، يصطبح فى لهوه ويعتبق، ويجرى فى مضمار لعبه ويستبق. يرى السلامة غنيمة، وإذا عنّ له وصف الحرب يوما لم يسأل منها إلاّ على طرق الهزيمة. قد بلغ أمله من الرتبة، وقنع من ملكه كما يقال: بالسكة والخطبة.

أموال تنهب، وممالك تذهب، ونفوس قد تجاوزت الحد فى إسرافها. وبلاد يأتيها (١٦) الأعداء، فتنقصها من أطرافها، لا يبالون بما سلبوا. وهم كما قيل فيهم وفى أمثالهم:


(١) القرآن ٢:٢٨٥.
(٢) القرآن ١٠:٢٤
(٣) ما: فى الجزرى «من»
(٤) حتى نصير: فى الجزرى ق ٢٩ ب «شرّ يصير»
(٧) أضيف ما بين الحاصرتين من الجزرى ق ٣٠ آ
(٩) وبنو: وبنوا--المشهورة: فى الجزرى «المشهورة فى التواريخ»
(١١) حكام: حكاما--وعادوا بها حكام: فى الجزرى ق ٣٠ آ «امتنعت هذه المدينة عليهم مدّة ثم ملكوها فى سنة ثلثو خمسماية»
(١٤) على: فى الجزرى ق ٣٠ آ، والسيوطى، تاريخ الخلفاء (ط. القاهرة ١٩٥٩) ص ٤٨٢ «عن»
(١٦) يأتيها: فى الجزرى والسيوطى «تأتيهم»